سنبسط الكلام هنا فيما يخص بناء المجتمع وبناء الدولة ، من خلال نبذ عقلية الهزيمة التي تعني هنا الإتكال على الغير في صُنع الحاضر وإستشراف المستقبل بل وفي تحرير الذات إيضاً ،
وعقلية الهزيمة هي عقلية يمكن ملاحظتها في سلوك بعض ساسة العراق الذين يتكئون على الغير في كل شيء حتى في تعريف القيم العراقية والتاريخ العراقي والثقافة العراقية ، ولهذا عجزوا فرادى ومجتمعين في تعريف الوطن وتعريف المواطن وعلى أيٍ من القواعد الدستورية يمكن بنائه وتأسيسه ، والعجز أكثر ما يكون وضوحاً في مسألة إقرار - العلم الوطني - الذي ظهر معه إن من يمسك بأوراق المنطقة الخضراء لا يمتلكون الحد الأدنى من معنى المواطنة وتقييم ماهو واجب وماهو ضروري وتفعيل ماهو ممكن ، ولقد كنا كما هو حال غيرنا ميالين لتشكيل لجنة فنية متخصصة في رسم معالم وطن يُجمع عليه الكل وتتبدى ملامحه في علم محدد معروف ينتمي للأمة العراقية في تشكيلها المتنوع والمتعدد ، وهذه واحدة من الواجبات التي فشل فيها البرلمان والحكومة في تعزيز روح المواطنة ، فعقلية الهزيمة التي صعدت على أكتاف المغررين لا تستطيع تغيير الواقع لأنها بالفعل هي جزء من المشكلة وبالتالي فهي غير قادرة على خلق روح المبادرة في صنع الحياة أو ما ينميها ، وإذا كانت المنافحة التي تقوم بها قوى المجتمع منذ سنيين لم تستطع على خلق مجتمع حر فذلك كان بسبب وجود تلك المجموعات الهلامية التي خربت في كثير من مواطن الروح العراقية لذلك فهي لن تكون قادرة بالفعل على خلق عناصر مجتمعية متقدمة ومتطورة ، وهذه قضية أولية لم تحسم وكذا لم تحل بعد قضية التعريف بالدولة الفدرالية يعني كيف ومتى وماهي القواعد والأسس ؟؟ وحين نتحدث عن الإخفاقات لا نريد التنكيل وزيادة التأنيب إنما نحاول تسليط الضوء على مايجب للأمة إنتزاعه بعد طول معاناة وكبت وحرمان ، وهذه العملية تحتاج إلى محفزات من داخل المنظومة الوطنية ونعني بذلك المحفز الذاتي ودونما الإتكال على الغير في الدفع والتعريف بمشكلاتنا الضاغطة ، وهنا نحتاج ليس فقط للتخلي عن عقلية الماضي المهزوم بل والتخلي عن عقلية التكايا والزوايا التي يجب ان تظل في محلها صوناً لها وحماية للمجتمع من إسقاطاتها الفكرية والثقافية والإيديولوجية ، والتي رأينا كيف عمدت تلك العقلية لمزج المعتقد الديني بمشاعر الناس وتوظيف ذلك في لعبة السياسة الخبيثة ، مما ولد لدينا مجاميع متناحرة وكل واحدة تدعي إنها ترتبط بحبل سري مع المهدي الموعود ، هذه العقلية حولت أنظار الناس عما يجب فعله من خلال تطوير البلد المهشم الذي تلاعبت به كل قوى الشر ، حتى صُرنا عن طواعيه إيجاد المبررات للحكومة وهي تتعطل في رعاية المستحقات الواجبة عليها من مسائل خدمية ووظيفية وعجز شبه تام في سير الحياة ، كل هذا يجعلنا نغض الطرف حيناً لما يحصل من تجاوز وفساد ورشاوى وتسابق على نهب المال العام ، عزز ذلك بعض فتاوى مجموعات موتوره هدفها نيل البعض من هذه السرقات التي تدار بشكل رسمي ، إنها عقلية الهزيمة والمرض والخوف والبؤس عقلية أنصاف رجال الدين وعقلية بعض الساسة الفاشلين المتحالفين مع أولئك ، إنها نكبة العراق والتاريخ خلقتها عواصف الجهل والغطرسة التي جاءت من خارج الحدود تحمي الشر وتدعمه ..