يتبنى السيد الحكيم مشروعاً وطنياً واقعياً لحماية العراقيين من التصدع والتشرذم والزوال ، يقدم مشروعه من خلال إطروحته حول الفدرالية للجنوب والوسط أسوة بما يصر عليه أهل الشمال ويعملون لأجله من خلال علاقاتهم الدولية وإعلامهم المقرؤ والمسموع ،
ويجب العلم بان العراقيين لايعيشون الآن إلاّ في ظل الإختلاف الذي سبب لهم كوارث كبيرة على صعيد الأنتماء للوطن وعلى صعيد هوية المواطن ، ولعل تجربة مابعد التحرير خير شاهد على شكل هذا التنافر بين محتويين ونوعين من التفكير حول مفاهيم السياسة والإقتصاد والثقافة والأمن والبناء والإعمار ، وهذا ما يجعلنا نؤمن بان دعوة الحكيم إنطلقت من وعي هذا الواقع ومن أجل التخفيف من هيمنة وسطوة الحكومة المركزية وما تجلبه من تدافع وخلاف وما تفرضه من وضع يفسد على العراقيين القدرة على البناء والتعايش ، من هنا نفهم محتوى ومضمون هذه الدعوة في شكلها العام والتي تعني ميدانياً وعملياً تقسيم الصلاحيات والأهتمام بوضع المحافظات المعيشية والسكانية والخدمية والصحية وهذا يعني توزيع منطقي للمسؤولية وهي في اللاوعي توثيق العلاقة بالوطن ولا يتم ذلك من دون العمل من اجل تشكيل الحكومات الفدرالية المحلية والعناية بسلطة المحافظات وتحويل إهتمام المواطنيين لهذا الأمر ، الذي هو البداية المنطقية لترسيخ العمل الديمقراطي والمشاركة العامة فيما يخص تعمير الواقع وإصلاح المواطن وتهذيب سلوكه الوطني والسياسي والثقافي والإجتماعي وهذا التوجه كفيل بتخفيف حدة الصراع والتنافس السلبي على السلطة في بغداد ، فنحن نعلم حجم وشكل ذلك التنافس الذي اضاع هدف التحرير والبناء ، مما دفع الجميع للإنخراط في جدل عقيم ومناوشات وقتال حول من وكيف وعلى من يتحدث هذا الطرف عن الطرف الآخر ؟ ، ولنكن واضحين وصادقين مع أنفسنا ونقول بان سنة العراق إنما يتباكون كل يوم لا على إحتلال العراق بل على ماضاع من حكم وسلطة وهيمنة لهم على السياسة والإقتصاد بل وعلى كل شيء في العراق ، وهم لايزالون مع الأسف يحلمون بعودة الماضي بكل سوءاته من خلال ما يطرحون من افكار مثل قولهم يجب: إعادة الجيش المهزوم في كل المواقع والتاريخ شاهد على ذلك !!!، وكذا مطالبتهم بعودة المجرمين من الأجهزة الأمنية السابقة ليكونوا جزءاً من الأجهزة الجديدة ونحن جميعاً شهود على ماقامت به تلك الأجهزة من قمع وقسوة ساهمت بشكل مباشر في تحطيم الروح والإرادة العراقية ، لهذا كله ومن اجل ان يعرف الجميع حجمه دون تعدي ودون أحقيات مزيفة ودعاوى باطلة ، جاءت دعوة الحكيم لتكون بمثابة البوابة التي يمكن من خلاله مد جسور الثقة والتعاون في بناء العراق من خلال العناية بأهله عبر بناء مدنه وقرآه وتحسين الوضع المعاشي والسكاني وتطوير الخدمات للأقاليم وإستقلاليتها عن المركز وهذا واحد من العوامل التي تخلق المصالحة الحقة ، كما يجب ان نفهم بان تحويل بغداد لمركز تجاري إتحادي بروتوكولي يضم مؤوسسات ودوائر الدولة الإتحادية والسفارات هو الكابح للأحلام المريضة لدى البعض كما إنه الوضع المطلوب الذي يجعل الإهتمام بالمدن والمحافظات الإقليمية هو الملاك في العلاقة الصحيحة والطبيعية مع الوطن الأم ، إذ ليس من اللائق السماح والقناعة بتكوين اقليم الشمال والممانعة في تشكيل اقليم الجنوب والوسط مع ان الحال في المسألتين واحد لمن أراد ان يتدبر ، فلقد قلنا ذات مرة ان التعايش ضمن الأطر المذهبية والطائفية غير ممكن بين الشيعة والسنة وهذه واقعية يعيشها الناس الآن و يجب النظر إليها من وحي المسؤولية التاريخية والوطنية وليس من وحي وضغط شعارات الماضي التعيس ، وهذا ما لايجب ان يغض الطرف عنه ولايجب الحديث عن التعايش الماضي فلقد كان بالجبر والإكراه وعدم الرضى والدليل على ذلك إن الجميع عاد ليعيش ذاته بعد التحرير مباشرة ، وقد استخدم من اجل تلك العودة وسائل مباحة وممنوعة من التفجير والتهجير والقتل اليومي ولازال كل يتربص بالآخر من اجل طرده وتحقيق نقاط تمكنه من فرض شروطه عليه ، إذن فلماذا المخاتلة وخداع الناس إذا كان الحال هو كذلك ؟ ولماذا التنطع خارج حدود الممكن ؟ .
وإني هنا اعيد التأكيد من جديد على ضرورة الإنفتاح على الأفكار دون تجاوزها أو تسفيهها كما يفعل من يريد للعراق ان يبقى أسير التخلف والبؤس ، وأنا هنا أنطلق من وعي جمعي يصطف خلف الرؤية التي يقدمها السيد الحكيم حماية للمواطن وتطويراً لمستقبله وحمايته من عودة الإستبداد والظلم فيما لو تنازل العراقيين عن حقوقهم في الفدرالية وعن تطوير مدنهم وفك الإرتباط مع المركز بكل عقده وأمراضه ومشاكله ، هكذا يجب ان تقرء الأمور في سياقاتها الموضوعية وليس من وحي مقولات الماضي التعيس - أنا أو لا أحد - .