لم يكن الكلام عن المشروع الذي تبناه الكونجرس حول وضع آليات للحد من حالة الفوضى والفلتان الأمني والتقاتل الذي فرق العراقيين وجعلهم أشتات متنافرة كلاماً في الهواء بل هو تعبير عن واقع حال يعيشه العراقيين بالفعل
لهذا حين نقول ان التقسيم يلبي حاجة وطنية فأننا ننطلق من فهم الواقع المجتمعي الذي يعيش التناقض والتنافر المجتمعي والذي يتحكم بحياة العراقيين العاديين فيفرض عليهم نوع من الحياة جديدة لايجب نكرانها أو التغاضي عنها بحجج واهية أو كلام وشعارات فارغة غير ذات معنى حقيقي ، وإذا كنا قد ألمحنا في مرة سابقة إلى ان التقسيم كان نتيجة طبيعية لعدم إستيعاب الدرس الوطني والقطري الذي كان وكذلك عدم إستيعاب حركة التطور الدولي في بناء الدول والمجتمعات ، وعدم الإستيعاب هذا هو وليد للواقع الذي صنعه الأستبداد بكل صنوفه وغذته الدعاية المضللة التي كانت تستهدف تفتييت البلد وخلق التناقض الطبقي والمناطقي بل وصناعة نوع من الفكر العشائري والقبلي المقيت ، وإذا كانت حروب صدام المقبور مع إيران هي جزء من هذا الواقع المرير فهي في الوقت نفسه أشارات إلى واقع الحال ومايكمن في النفوس ، ولم تكن تلك الحروب سوى حروب ضد الشيعة الذين هم عنده مجوس يجب قتلهم وسفك دمائهم وإستحياء نسائهم ، ولهذا لا نستغرب ما يروج له اليوم أعداء الشيعة بأنهم جماعة صفوية حاقدة على العرب والسنة !!! والصفوية تعني عندهم الشيعية المعاصرة وهذا السلوك النفسي خيار دعائي يستخدم من اجل التقسيم ، وإذا كنا نقول إن عجلة الماضي لن تعود إلى الوراء فنحن نعني مانقول ، أي إننا نعني إستحالة التعايش الشيعي مع السني في العراق الحاضر بعد كل هذه الدماء والقتل المتعمد والجميع يتربص ببعضه البعض الأخر ، كما ان عودة السلطة المركزية وقبضتها الحديدية هو الأخر ضرب من الخيال بحكم المنهج السياسي الدولي الذي يسعى لبناء الديمقراطية ويحكم العالم ، لكن المؤسف ان البعض لايريد البوح بهذا الكلام ولايريد البوح بما في نفسه مستخدما التقية تارة ومتعللاً بالدبلوماسية تارة أخرى فلايريد القول بصراحة ان التعايش في ظل الكراهية ممتنع والتعايش في ظل القتل على الهوية ممتنع ، والعيش في ظل عدم الثقة بالأخر لايؤدي إلى صلح أو مصالحة ، كما لا يجب الضحك على الذقون من خلال الضرب على وتر الوطن الواحد والشعب الواحد في حين يقتل بعضنا بعضاً على الهوية والاسم والمنطقة والمعتقد ، يغذي ذلك كم هائل من الفتاوى التي يصدرها وعاظ منبوذين يكفرون ويجزئون فتاوى كلها حقد وكراهية وبغض ، وأقولها بصراحة خير للشيعة بتكوين أقليم خاص بهم بدل البقاء مع جماعة لاتريد التعايش معهم بل تريد لهم البقاء عبيد يعيشون على الفتات من هامش الحياة ، وإذا كان العراق الحقيقي هو الجنوب والوسط وهو في الغالب شيعي ومع ذلك فهو العراق محروم من أبسط قيم الحياة الطبيعية بل كان في السابق ليس سوى مزرعة لتصدير البشر في حروب الطاغية حروب لا ناقة لهم فيها ولاجمل ، مع ان النفط والحياة بين أيديهم وفي مناطقهم فالساحل والنهر والميناء لهم ومع ذلك هم محرومين ، واليوم يريد من تبقى من عناصر الماضي البغيض ان يعيدهم إلى الوراء تحت يافطة وشعار الوطن الواحد والشعب الواحد والتي أعتقد إنها ليس سوى أكذوبة عاشها العراقي لزمن غير قليل دونما حاجة ردد شعاراتها وأكتوى بنار حقدها اللئيم مما سببت له ارباكاً في كل قيمه ، أظن ومعي الكثيرين ان عراق مقسم خير من عراق واحد يعيش الفقر والفاقة ويحارب من اجل غيره ..