في البداية لابد من تجديد إستنكارنا وشجبنا لهذا العمل الإرهابي الجبان الذي أدى ويؤدي إلى خيبات أمل وصراع سوف لن ينتهي قريباً خاصة مع تكاثر الخلايا السرطانية في إنحاء مختلفة من العالم
ولكن يجب القول إن لهذا العمل حسنات يجب رصدها والتوقف عندها وتحليلها من منظور واقعي محايد إذ لولم يكن ماجرى يوم 11 سبتمبر لما كان في الأمكان تحرير أفغانستان من أسوء نظام حكم سياسي وديني عرفته البشرية في تاريخها الطويل ، فهو إذن حسنة جاءت لكي تحرر شعب من هيمنة نظام همجي متخلف لايمت إلى العالم الإنساني بإية صلة ، ولهذا يمكننا إعتبار ذلك اليوم بمثابة الشرارة التي عجلت أو هكذا نقول في تبني مشروع النظام العالمي الجديد ، الذي طرح مفهوم العمل من اجل بناء الديمقراطية ونهاية النظم الدكتاتورية والمستبدة في العالم أجمع ، وهذا الإتجاه بل هذه الرؤية عززت الثقة بامكانية توحيد النظام العالمي أعني توحيد التوجهات البنائه في الثقافة والأقتصاد والسياسة ، وهو إتجاه نبيل نادى به كل مصلحي التاريخ والعظماء والأنبياء على إعتبار إن وحدة العالم ووحدة الدين هو مطلب إنساني وحضاري وإلهي ، وهنا يجب علينا نحن ان ننظر إلى هذا الحدث من وجهة نظر موضوعية وليست عاطفية ، فيما لو أردنا تحليل الظاهرة وما أدت إليها على الصعيد الدولي والعالمي ، ولهذا إعتبرنا ما حدث في 11 سبتمبر بمثابة حركة النقلة التي عجلت في تساقط مابقي من نظم دكتاتورية مستبدة ، وكان لذلك الحدث إيضاً وقعه المتميز في العراق إذ كان النقطة التي إنطلق منها المشرع الدولي لتحرير العراق من نظامه القمعي القديم ، منادياً في الوقت نفسه لتأسيس نظام جديد يقوم على أساس الحرية والعدل والسلام ومبشراً بالديمقراطية وحاكمية الشعب والتساوي في الحقوق والواجبات والتسامح ونبذ لغة التعامل السياسي والإجتماعي الذي كان يعتمد الألغاء ، واضعاً العراق وشعبه على أعتاب مرحلة جديدة وعلى بداية تاريخ جديد ، ومن اجل هذه الروح التي نادى بها المشروع أيده الجميع بمافيهم قيادات بارزة في الحكومة والحزب القديم ، ذلك لأن حلم الحرية كان ومازال هو مطلب الجميع ، ولكن صيغة المشروع وبناءاته لم تكتب على نحو لتكون قانون يلزم الجميع باتباعه وتطويره فالذي حدث هو غياب صيغة المشروع التنويري الذي كان يجب العمل بمقتضاه ، وكان الأمريكي أعني القائد والمشرع يحاول وضع قواعد للمشروع من وحي الواقع محاولاً تطويره حسب ظروفه والمستجدات التي تحدث على الأرض ، ولكن هذه الفكرة أو هذه الرؤية ماكان يجب ان تكون في العراق أولاً لخصوصيته الذاتية وثانياً لتداخل مصالح بعض الدول التي لا ترغب ببنائه ونهوضه منطلقة في ذلك من إطماعها القديمة فيه ، ففقد المشروع بريقه شيئاً فشيئاً إلى ما صار إليه الوضع حالياً من تردي وتدهور وصراع وتقاتل ، وهنا لابد لنا من ذكر الصيغ التي أخلت بمضمون المشروع من خلال ما فرضته إيران على الجماعات التي تأتمر بأمرها لتكوين مجتمع طائفي وتقسيم الناس حسب ذلك ، والضرب من خلال هذا على فكرة الأكثرية وأستحقاقاتها الديمقراطية ، هذا التوجه أيده المشرع الأمريكي على حين غفلة أو بحسن نية أو قياس وضع العراق على مثيلاته في بعض الدول الأوربية والأفريقية وهو قياس باطل لأن حال العراق يتداخل فيه التاريخي والمذهبي والديني والأحقيات التي تقاتل عليها القوم سنين ولا زالوا يتقاتلون ، إذن فالمشرع أخطأ حين لم يأخذ بالحسبان ما يمكن حدوثه فيما لو تم تطبيق هذا الأجراء ، ولذلك نرآه اليوم غير قادر بالفعل على السيطرة بالشكل الذي يمكنه الترويج لنظرية العالم الجديد ، ولقد قلناها مرات ان الحل يتطلب إجراءات حاسمة ولكن واقعية وهي العودة للتبشير بصلاحية المشروع من خلال دعم أبناء العراق الحقيقين وليس المزيفين ، وأعني بذلك تطوير دعم العشائر العراقية في كل مناطق العراق والتعاون معها للتخلص من خلايا الأرهاب المتمثل بهذه المليشيات التي تتخذ من القومية والدين غطاءً لها ، وإذا كانت التجربة قد حققت المزيد من النجاحات في الأنبار وديالى فالأحرى تطوير هذه التجربة في مناطق الوسط والجنوب ، خاصة في ظل تزايد التذمر الشعبي من هذا المليشيات وما أحدثته من جروح غائره في جسد العراقيين ، وهنا يمكن إعادة صياغة المشروع من دون تصادم مع حركة بناء الجيش العراقي التي نعتبرها الأمل في بناء قوة للعراق الحاضر والمستقبل ، فنحن كنا ومازلنا نقول إن خير ما فعلته أمريكا هو حل الجيش العراقي القديم بعد سلسلة هزائمه وبالتالي فهو لا يصلح ليكون حامي البلد والناس ، والدعوة لعودة الجيش القديم هي في الحقيقة لا تستقيم مع الواقع خاصة وان العودة ستكون ذليلة وهي بمثابة نوع من العطف وليس المهنية أو الأهمية ، نعم يجب ان يستفيد الجيش الجديد من خبرة القادة في الجيش القديم في الأكاديميات أو مراكز البحوث وغيرها ، والأمر نفسه يقال بالنسبة لعودة كل قيادات حزب البعث فهذا غير ممكن بل مستحيل إنما الممكن هو إنخراط هؤلاء في خلايا العمل السياسي الجديد أو بتغيير كامل لمناهج البعث وأدبياته وثقافته وكل من كان سبباً في مأساة العراقيين والعراق ..