كان المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده كل من الرئيس الأميركي بوش ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون بعد اجتماع في كامب ديفيد
ورقة توت تغطي ما يبدو بالأرجح أنه اختلافات مهمة بين السياستين الخارجيتين الأميركية والبريطانية. ذلك لأن براون لا يمكنه أن يتحمل كونه مماثلا ومشابها لتوني بلير في علاقته مع الرئيس الأميركي.
إن براون يعلم جيدا ـ كما يعلم الرئيس بوش ـ أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أضطر للخروج من المنصب كنتيجة لاستعداده أن يتبع خطى الرئيس بوش في العراق وفي الحرب على الإرهاب عموما، بصرف النظر عن إلى أين تقوده أو مدى سوء العواقب.
وبراون مصمم بوضوح على الفوز بولايته كرئيس للوزراء، كما أنه على ضوء دعمه وتأييده الجماهيري الواضح في استطلاعات الآراء في الوقت الحالي، فإن انتخابات مبكرة، ربما في الربيع القادم، تصبح أكثر احتمالا. وهذا يعني أن رئيس الوزراء يجب أن يتحرك بسرعة لتلبية المطالب الخاصة بخروج القوات البريطانية من العراق.
وايا ما كان ما أفرزه اجتماع كامب ديفيد، فإن البريطانيين يمضون قدما نحو انسحاب تدريجي محسوب من العراق، تاركين قوة رمزية مؤلفة مما لا يزيد عن 2.000 جندي حتى يمكن للرئيس بوش أن يظل يزعم أن هناك تحالفا ما زال موجودا.
والحقيقة هي أن بلير قد كان يستجيب خفية وخلسة للواقع السياسي بالداخل عن طريق تقليل عدد الجنود البريطانيين في العراق. كان هناك عدد 40.000 جندي بريطاني في العراق وقت الغزو في عام 2003. وانخفض ذلك العدد إلى حوالي 8.000 جندي في نهاية عام 2006. وفي عام 2007 انخفض إلى حوالي 5.500 جندي والمزيد قد يرحلون بحلول نهاية العام.
ولذا ففي الوقت الذي كان يبادر فيه بوش إلى زيادة قواته في العراق، موصلا العدد الإجمالي للقوات الأميركية إلى حوالي 160.000 جندي أو أكثر، كانت الحكومة البريطانية ـ حتى تحت حكم بلير ـ تخفض بثبات قوتها. وفي الواقع، فإن القوة غير الأميركية بكاملها كانت تتناقص بثبات في الوقت الذي غادرت فيه دول أخرى العراق تماما، مثل الإيطاليين والأسبان، أو قللت من أعداد قوتها وخفضتها إلى حفنة. غير أن الصحافة ما زالت مستمرة في وصف قوة التحالف، حتى برغم أن عدد القوات الأخرى لم يعد أكثر من حوالي 5% إلى 7% من العدد الإجمالي الحالي.
وما لم يكن ورقة توت في اجتماع بوش ـ براون هو أن براون وحكومته يعنيان ما يقولان عن كون الولايات المتحدة صاحبة أهم علاقة مع بريطانيا. وهذا كان صحيحا لعقود من الزمان وسيستمر كذلك ما دامت هناك عين ترى. فبريطانيا ليست قوة من الدرجة الأولى والولايات المتحدة هي درعها الأفضل.
ومما يدعو للسخرية أن الولايات المتحدة كانت في نفس الموقف الذي فيه البريطانيون الآن لما يقرب من قرن بعد أن انفكت الجمهورية الأميركية عن بريطانيا. وقتها كان البريطانيون هم الدرع، مما سمح للولايات المتحدة بالتنمية والتطور خلف حماية من بريطانيا، وتم تجنب الحاجة إلى قوة عسكرية قوية وتجنب التكاليف التي كان سيتطلبها مثل ذلك الدفاع.
والآن جاء دورنا في أن نوفر الحماية. وبالإضافة إلى ذلك، نحن شريك اقتصادي وتجاري ومالي هام وحيوي لبريطانيا، ناهيك عن كل الروابط المشتركة من لغة وتاريخ وثقافة التي يشير إليها دائما القادة في كلا الجانبين في كل اجتماع.
ولذا فإن غوردون براون أسدى لجورج بوش صنيعا وخدمة كبيرة بوصف نفسه على أنه امرئ مع الرئيس في وجهات نظره ورؤاه العالمية، ولكن أسدى لنفسه هو صنيعا بتجديد العلاقة الخاصة بين البلدين.
أما وقد قيل ذلك، فلنر في الشهور القادمة كثيرا من الاختلافات والخلافات في الوقت الذي تظهر فيه حكومة براون استقلالها. ستمر بضع سنين قبل أن يتم إصلاح الضرر السياسي في علاقة بلير ـ بوش. وسيكون وزراء رئيس الوزراء البريطاني من أي خط سياسي ـ سواء من حزب العمل أو المحافظين أو الأحرار الديمقراطيين ـ ممتعضين وكارهين جدا لاتباع خطى أميركا في الحرب، حتى في الوقت الذي نصر فيه على أننا أصدقاء حتى النهاية.
غيرالد دورفمان
كبير باحثين بمعهد "هوفر" الأميركي
خدمة "إم سي تي"