اكتملت المفاوضات بين الولايات المتحدة والهند على إمداد أميركا لها بالمواد اللازمة لإنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وقد سُمّيت الاتفاقية باتفاقية الـ123 (بحسب قانون صادر عام 1954 بالولايات المتحدة، والذي يسمح بمثل هذه التعاملات). ويقع الاتفاق في منطقة وسط بين ما وافق عليه الكونغرس، وما طالبت به الهند بشأن الإفادة من التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، كما سبق القول. أما هل ستنفّذ الهند تلك الاتفاقية فهو الأمر غير المؤكّد. وقد أجرت الهند تجربتها النووية الأولى عام 1974 مستعملة البلوتونيوم من خلال المفاعل الذي اقتنته من كندا. ويبدو أن وكيل وزارة الخارجية المساعد نيك بيرنز نسي ذلك كله، لأنه قال إن الهند بخلاف إيران ما أخلفت في تعهداتها النووية للاستخدامات السلمية(!) لكن لندع هذا كله. فماغو هان سنغ هو غير جواهر لال نهرو، والعام 2007 هو غير العام 1974، وهناك دائماً أسباب مقنعة يمكن اللجوء إليها لتبرير اتفاق كهذا بين ديموقراطيتين كبيرتين وناضجتين مثل الهند والولايات المتحدة! لكن هذه الاعتبارات لا تبرر على أي حال أي اتفاق وبأي شروط، كما أن ذلك لا يعني أن يتجاهل السيد بيرنز ما يعنيه كل هذا، خصوصاً وأن هناك علاقات طيبة جداً بين الهند وإيران. والسيد بيرنز من جهة أخرى يعرف ذلك بالفعل. فقد قال في التصريح نفسه: لا بد أن أعترف أن هناك تعاوناً عسكرياً من نوع ما بين الهند وإيران. وهذا الأمر تذكره دورية "دفنس نيوز" في 19 آذار تحت عنوان: الهند وإيران تشكلان لجنة مشتركة لتعميق التعاون العسكري بينهما. وبحسب التقرير نفسه فإن اللجنة تشكلت بعد زيارة الأدميرال بدلاني قائد البحرية الإيرانية للهند، وهدفها تطوير اتفاق التعاون العسكري المنعقد بين البلدين عام 2003. ويعود بيرنز للمقارنة بين الهند وإيران فيزيد من التأكيد على أن الهند لم تنشر تكنولوجياتها النووية، وحافظت على الاتفاقات الدولية بهذا الشأن!
ومع ذلك فإن الحكومة الأميركية منعت في أيلول 2004 السيدين تشودوين سورندر وبراساد، وهما رئيسان سابقان لمؤسسة الطاقة النووية الهندية، من دخول أراضيها. وسبب ذلك أن الرجلين متهمان بتمرير معلومات نووية الى إيران. ورغم أن وزارة الخارجية أسقطت التهم لاحقاً عن د. سورندر؛ فإنها بقيت تُثقل كاهل السيد براساد. وتهمته الباقية أنه مرر الى إيران التكنولوجيا الضرورية لفصل التريتيوم بواسطة مفاعل للماء الثقيل. وتقوم إيران اليوم ببناء مفاعل مُشابه في أراك. والمعروف أن التريتيوم يمكن استخدامه لتسريع إنتاج القنابل النووية. وقد أنكر السيد براساد التهمة. وهذا ليس كل شيء. ففي العام 2006 فرضت الإدارة الأميركية حظراً على شركتين هنديتين لأنهما باعتا إيران تقنيات مفيدة في صناعة الصواريخ، وأخرى في إنتاج السلاح الكيماوي. وفي 1 نيسان أصدرت وزارة العدل الأميركية تقديراً يتهم هنديين بإعطاء إيران معلومات ذات طابع تقني عالي الأهمية، تفيد في تسديد إطلاق الصواريخ. وتذكر واشنطن كورترلي في عددها لهذا الشهر أن الهند طورت مراكز للمعلومات في إيران بما في ذلك قنصليتها في زاهدان، والأخرى الجديدة في بندر عباس، وذلك لكي تستطيع مراقبة خصمها باكستان في أي نزاع مقبل. وتذكر السيدة فير العاملة في معهد واشنطن لبحوث السلام أن الهند زوّدت إيران ببطاريات للغواصات مفيدة في الأجواء الحارة للخليج الفارسي، وأفضل من مثيلاتها الروسية، وتعتزم روسيا إعطاء الهند مضادات للدبابات.
ويعترف المدافعون عن الصفقة مع الهند بوجود مخاطر من ورائها، لكنهم يعرفون حاجة الهند الكبيرة للطاقة، والتي أحوجتها الى بناء أنبوب طوله 700 كليومتر لإيصال النفط فيما بين إيران والهند. ويضيف بيرنز: "الاتفاق يعطي الهند سيطرة أكبر على مواردها من الطاقة، ويجعلها أقل اعتماداً على الاستيراد من بلدان مثل.. إيران". ولو اعترفنا بما يقوله بيرنز فإنه يبقى أن الهند تريد محاصرة باكستان، كما تريد الوصول الى أفغانستان فضلاً عن حاجتها للطاقة. وتأتي الطاقة النووية من أجل إنتاج الكهرباء لكنها لا تستيطع الإغناء عن الهايدروكربونات، فالمفاعلات نفسها إنما تسير بالغاز. وهكذا فالحصول على الطاقة النووية لن يقلّل الحاجة للغاز الطبيعي الإيراني.
وما مرّ شيء من هذه الاعتبارات بالكونغرس الأميركي بدون ملاحظة. ففي شهر أيار من هذا العام أرسل سبعة نواب من لجنة الشؤون الخارجية رسالةً الى رئيس الوزراء الهندي سنغ يشكون فيها من علاقة الهند بإيران. ثم أرسل ثمانية شيوخ بينهم جمهوري وديموقراطي مشهوران رسالةً مماثلة الى رئيس الوزراء. وقد بقيت الرسالتان بدون إجابة. ويقول أحد العاملين بالكونغرس: مهما فعلت لتنبيه الهنود الى المخاطر فإنهم يتجاهلون ذلك! لكن ربما بدأوا يفكرون بذلك في المدة الأخيرة، فقد قال رامندال سنغ ياسل نائب رئيس البعثة الهندية بواشنطن: نحن واعون لمسؤولياتنا، ونعرف مخاطر أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً. وقد وصف زيارة قائد البحرية الإيرانية الى الهند بأنها شكلية، وأضاف: نحن نعرف كيف نُحسن معاملة ضيوفنا من دون التنازل في الأساسيات! وقد يكون ذلك صحيحاً. لكن قد يكون المعنى أن الهنود والأميركيين يملكون مفاهيم مختلفة للعلاقات المضبوطة. لكن إذا كان على الكونغرس تقديم المزيد من التنازلات للحصول على رضا الهند رغم ما يشكله ذلك من محاذير أخلاقية وإخلال بمبدأ منع الانتشار النووي؛ فلا بد أن يأخذ شيئاً في المقابل، وهذا الشيء لا يمكن أن يكون أقل من وقف التعاون العسكري الهندي/ الإيراني.
("وول ستريت جورنال" ـ 1/8/2007)