الوقتأقساماخبار العراقمختارات من الثقافة التنظيميةالبرنامج الانتخابي العام
(0) العدالة الإجتماعية . . . مفهوم ليبرالي ــــــ راغب الركابي(0) لماذا الليبرالية الديمقراطية ؟ ــــــ راغب الركابي(0) الليبرالية حوار بين الله والإنسان ــــ راغب الركابي(0) الليبرالية الديمقراطية والسلطة ــــ راغب الركابي(0) الميثاق العام / القانون الأساسي للحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي(0) الطريق إلى الليبرالية الديمقراطية (د)(0) المسألة الكردية من وجهة نظر ( الليبرالية الديمقراطية ) ... يوسي شيخو (0) الحوار بين الليبرالية والإسلام !!(0) معالم في الطريق إلى الليبرالية الديمقراطية ـــــ راغب الركابي(0) الليبرالية العربية بين الواقع والطموح ـــــ راغب الركابي(0) الليبرالية الديمقراطية هي الحل ـــــ راغب الركابي(0) مختارات من الميثاق العام للحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي(0) الإسلام السياسي ــــــــ راغب الركابي(0) شعار الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي (0) من يصنع العلمانية في العراق ؟ ـــــ راغب الركابي(0) الليبرالية الديمقراطية و حاجات الأمة ـــــ راغب الركابي(0) الليبرالية والسلام(0) من مقالات التفسير والفكرالقرآن بين التحريف والتصحيف : ـــــــــــ آية الله الشيخ إياد الركابي
موسى النبي والعبد الصالح ــــــــ آية الله إياد الركابي في ظلال آية المحارب ــــــ الحلقة الثانية في ظلال آية المُحارب ـــــــ الحلقة الأولى الذات الإلهيّة بين العلم والعبادة ـــــــ مادونا عسكر الحراك العراقي اللبناني ـــــــــــــ راغب الركابي ثمن الحرية ـــــــــــ راغب الركابي المفهوم الإفتراضي لمعنى قوله تعالى : [ فلا أقسمُ بالخنس ، الجوار الكنس ] – التكوير 15 ، 16 العلاقة بين الفكر والسلطة ـــــــــــ راغب الركابي رسالة ملك الفرس يزدجرد* الى عمر بن الخطاب صوت أبي العلاء الاشتراكي.... إبراهيم مشاره - الخلل المفاهيمي في لغة النص : - القلب ، الفؤاد ، العقل .. الروح مثالاً |
Monday, July 23. 2007نظريةالوجود عند صدر المتألهين الشيرازي ــــ إدريس هاني
نظرية الوجود عند الشيرازي ، اطارها التاريخي: اذا جاز الحديث عن تيار وجودي بامتياز داخل حقل الثقافة الاسلامية، فليس هناك من هو أجدر بهذا الوصف منالفيلسوف صدر الدين الشيرازي، المعروف بـ (الملا صدرا) و (صدر المتاءلهين)،
اذ انه جعل اشكالية (الوجود) مدارفلسفته وانشغالاته المعمقة، انطلاقا من اءن الوجود هو اءشرف الاشياء عنده. وحتى نكون موضوعيين يجب اءن نضعفلسفة (ملا صدرا)، بخصوص اشكالية الوجود في اطارها التاريخي، من حيث اءنها مثلت ثمرة عمل لجيل كامل منالفلاسفة. غير اءن هذه المسيرة من النظر في اشكالية الوجود لم تجد مخرجا لها الا مع مجيء (ملا صدرا). ونستطيعالتحدث عن مذهبية امامية متجانسة -باستثناء السهروردي- في مجال البحث الوجودي، تلك التي دشنها الخواجةنصير الدين الطوسي، وبلغت قمة نضجها مع (ملا صدرا). واءصبحت، بعد ذلك، تمثل وجهة النظر الفلسفية الامامية. وتجدر الاشارة، هنا، الى أن الفلسفة الوجودية، أوضحت، بمزيد من التوسع، اشكالية الوجود، وبخاصة في تاءلقهاالمعاصر، مع فلاسفة موهوبين، اءمثال هيدغر وروائعه في الزمانية والموجود، اءو سارتر الذي اءقام فتوحاته الوجوديةعلى ظواهرية هوسرل والدازاين تبثآا< هذان غطى وقد الهيدغري،> الفيلسوفان، وهما اءبرز الوجوديين، على نظرائهماالسابقين، وحتى المعاصرين لهما. غير اءنهما لم يقدما تفسيرا جديدا، ولم يفتحا فتحا غير مسبوق، في مضمار النظر الىالوجود، بل ربما حصل لهما نوع من الالتباس والغموض، في استيعاب عدد من القضايا التي برع فيها هؤلاء الحكماء،بكثير من الدقة والعمق. ان ثمة حلقة اءساسية في المباحث الوجودية، كان لها الفضل الكبير في هذه الوثبة المعرفيةالكبرى، وهي الفلسفة الوجودية الامامية. وبالذات نظرية الوجود عند صدر المتاءلهين الشيرازي. وعودا الى بدء نقول: ان نظرية ملا صدرا حول الوجود يجب وضعها في سياق كامل من النظر، تمهيدا لمعرفة بحثهالجديد الذي جاء به بعد ذلك. ان الفلاسفة الامامية، عموما -اضافة الى السهروردي- يغلبون النزعة المشائية على مجمل اءفكارهم الفلسفية. ويتضحذلك من خلال لجوئهم الى التقسيم المعتمد لدى المناطقة وحكماء المشائية للعلوم، في سبيل تحليلهم لمفهومالوجود. هذا التقسيم الذي يتم بحسب قابلية القضايا للاستدلال. اءي العلوم الضرورية التي تمثلها المعقولات، وهي مااستغنى عن النظر والدليل، حيث يتحد الموضوع Objet بالمحمولPREDICAT فتندك بينهما الواسطة. ويقابل ذلكالعلم النظري الذي يتوقف النظر فيه على البراهين والاقيسة المنطقية. هذا بالاضافة الى اءن التعريف اءو الحدDIFINITION الذي يعني نوعا آخر من القياس المنطقي، يتاءلف من مقدمتين:احداهما كبرى، والثانية صغرى. وثمة الى جانبهما واسطة في الاثبات، اءو ما يعرف عند جمهور المناطقة ب (الحجة). لذالا يقوم للحد اءو التعريف، اءي اعتبار، حينما يتعلق الامر بالعلوم الضرورية والمعقولات الاولى اءو القضايا البديهية. وفي ضوء هذا التقديم نتساءل عن حقيقة التعريف الذي يجدر تقديمه للوجود؟ ووفق اءي قياس نستطيع تحديد مفهومالوجود؟ هنا، تحديدا، نجد موقفا لدى فلاسفة الامامية، منذ الطوسي، لحل النزاع في صميم تعريف الوجود. فقداعتبروه من المفاهيم البديهية، الغنية عن التعريف التام. اءما ما اءعطي له من تعريفات من قبل القدماء من الفلاسفة، فانالامامية، راءوا فيها، مجرد تعريفات لفظية، ليس اءكثر من ذلك. وهذا ما يعود بنا الى الطوسي نفسه، حينما عالج هذه الاشكالية في ضوء ما قدمنا له. فالمتكلمون عرفوا الوجود بثباتالعين، في حين عرفه الفلاسفة بما يمكن الاخبار عنه. وهذا ينعكس في مقام تعريفهم للعدم، فيقولون انه منفي العين اءوما لا يمكن الاخبار عنه. ويتضح، من هنا، اءن التعريف، لو اءريد منه الحد اءو التعريف (اللمي) اءو (الهلي) -وهما اسمانصناعيان لسؤالي (ما) و(هل)- غير التعريف باللفظ، لادى الى دور. لان الثابت العين يتوقف تعريفه (هليا) و(لميا)بالوجود. ويتوقف تعريفه عليه مثل ما يقع في دائرة التعريف بما يمكن الاخبار عنه (اءي تعريف الفلاسفة) فيكون-اذن- التعريف هنا، من باب الحد اللفظي لغرض الزيادة في الايضاح. وهذا تحديدا ما ينقلنا اليه نصير الدين الطوسيبقوله: (وتحديدهما جاءي الوجود والعدمج بالثابت العين والمنفي العين، اءو الذي يمكن اءن يخبر عنه ونقيضه اءو بغير ذلك،يشتمل على دور ظاهر). من هنا فان التعريف اللفظي للوجود ليس سوى نوع من تقريب المفهوم الى الاذهان، وهو في كل الحالات مجردتوتولوجيا TAUTDOGIE . وياءتي ملا صدرا ليعزو ملاك البداهة في تعريف الوجود الى كونه اءعم الاشياء. والاعم لا يعرف. اذ مقتضى التعريف اءنيكون المعرف به اءعم من المعرف -بفتح الراء- فالتعريف وحسب المناطقة دائما، يتم بالحد والرسم. والتعريف بالحديعني التعريف بجميع ذاتيات المعرف. وهذا يتم بالجنس والفصل. وفي حالة التعريف بالرسم، لا نخرج عن هذاالاقتضاء. لان التعريف بالرسم التام، وهو رتبة اءعلى من الرسم الناقص -اءضعف التعاريف- يشتمل على التعريفبالجنس، بالاضافة الى الخاصة، ونلاحظ اءن التعريفين كليهما لا يستغنيان عن الجنس والفصل. فالتعريف لا يتم الا بهما،اءو بالعرض العام والعرض الخاص، وكلها من سنخ الماهيات. والوجود اذ ذاك، عام لا شيء اءعم منه. فهو غير ذي جنسولا فصل. وليس هناك من هو اءعرف منه؟ فلا يعرف بغيره. على هذا الاساس يقرر ملا صدرا: (فمن رام بيان الوجودباءشياء اءظهر منه، فقد اءخطاء خطاء فاحشا. ولما لم يكن للوجود حد فلا برهان عليه..). وهو ما سيؤكده بعد ذلك، ملاهادي السبزواري في منظومته، وهو من كبار شراح فلسفة صدر المتاءلهين، اذ يقول: (مفهومه (اءي الوجود) من اءعرفالاشياء وكنهه في غاية الخفاء). وعلى هذا المذهب سار اللاحقون، حيث عمومية الوجود للاشياء، وظهوره، يمنعه من التعريف، بواسطة معرف اءدنىمنه في العمومية والاعرفية. اءي اءن لا جنسية الوجود ولا فصليته، دليل على امتناعه عن الحد. ولعل هناك من المتكلمين، من رام التنكر لهذا التعليل، لبداهة الوجود، باختلاق ما يشكك في عموميته، كاعتبارهمللشيئية في العدم للماهيات الممكنة المعدومة. فقد راءوا -وخلافا للفلاسفة- اءن للمعدومات ذواتا ثابتة في الاعيان. كمااعتبروا مفهوم (الحال) الذي يقع بين الموجود والمعدوم، ثابتا وقد سبق اءن رد على ذلك الخواجة الطوسي بنوع منالاستخفاف، قائلا: (ويساوق جاءي الوجودج الشيئية، فلا تتحقق بدونه. والمنازع مكابر مقتضى عقله). وسوف يواجه ملا صدرا، بالدرجة نفسها من الاستخفاف، راءي القائلين بالحال اءو الواسطة بين الموجود والمعدوم،محتكما الى منطقهم نفسه -منطق المتكلمين- فلا يعقل في نظره، اءن نشير الى الماهية ما لم توجد. ذلك باعتبار(المعدوم لا يخبر عنه الا بحسب اللفظ). ان ملا صدرا يتساءل ان كان غرض هذه (الطائفة من الناس)، من مفهوم(الحال)، اصطلاحا (تواضعوا عليه في التخاطب) اءو ذهولا، اءصابهم، فاءبعدهم عن الامور الذهنية. فلا خلاف معهم انكانوا اءرادوا بذلك اءن المعدوم هو ما لم يوجد خارج العقل، ما دام جائزا كون الشيء ثابتا (في العقل معدوما فيالخارج). اءما لو اءرادوا اءمرا آخر، فهو باطل. بل ان ملا صدرا يزيد في مناقشتهم، مستندا الى طريقتهم، وكاشفا عن تناقضاستدلالاتهم: (ومما يوجب افتضاحهم اءن يقال لهم: اذا كان الممكن معدوما في الخارج فوجوده هل هو ثابت اءو منفي،فانه باعترافهم لا يخرج الشيء من النفي والاثبات، فان قالوا: وجود المعدوم الممكن منفي، وكل منفي عندهم ممتنع،فالوجود الممكن يصير ممتنعا وهو محال. وان قالوا: ان الوجود ثابت له وكل صفة ثابتة للشيء يجوز اءن يوصف بهاالشيء، فالمعدوم يصح اءن يوصف في حالة العدم بالوجود، فيكون موجودا ومعدوما معا وهو محال. فان منعوا اتصافالشيء بالصفة الثابتة له فالماهية المعدومة يجب اءن لا يصح اءن يقال لها انها شيء فان الشيئية ثابتة لها. وان التزم اءحدعلى هذا التقدير باءنه لا يصح اءن يوصف الشيء باءمر ثابت له فليس بشيء وقد قال باءنه شيء، وكذا الامكان). ان تصديرا مقتضبا كهذا اءساسي لبحث النزاع الدائر بخصوص اشكالية اءخرى، اءلا وهي اءصالة الوجود. وهذا يفرضعلينا استيعاب مفهوم الماهية، وبحث متعلقاتها الاشكالية، تسهيلا لفك ذلك النزاع. لقد ظلت الفلسفة وعلم الكلاميركزان مدة طويلة جدا، على الماهية دون الوجود، معتبرين تاءصل الاولى واعتبارية الثاني. فالماهية عند الاشاعرةوالمتكلمين اءصيلة فيما الوجود اعتباري. بل ان الوجود في حقيقته هو ما هو موجود بالنسبة الينا. وهو ما ينفيالموضوعية عن العالم. ولا ننكر اءن الفلسفة منذ التوليفة التي اءوجدها اءبو نصر الفارابي، بين وجهتي النظر الاشراقيةوالمشائية، كانت بداءت تعرف نوعا من النضج، تطلب اءزيد من سبعة قرون، كي يتكامل بناؤه على قاعدة متينة وصلبة.لعلها هي ما اءوجد مقدمات التفكير الايجابي في ما بعد. فقد حاول هذا الفيلسوف الفارسي، الذي استطاع انتزاع لقبالمعلم الثاني بجدارة، تغيير النظر الانطلوجي السائد الى جدلية الوجود رالماهية، معتبرا، وبصورة تفتقر الى الوضوح-لكنها موجودة- اءصالة الوجود واستقلاله. ويعود سبب هذا الانعطاف في تاريخ النظر الانطلوجي الى ما حصل منانسداد في آفاق اشكالية علة تشخص الماهية وجزئيتها.. وكذا مفهوم (الكلي الطبيعي). وتيسيرا لضبط هذه الاشكاليةيتعين علينا الاجابة عن الاسئلة التالية: 1- ما هو مفهوم الماهية، وكيف ظلت اءصيلة، وما علاقتها بالوجود؟ 2- ما هي الاعتبارات التي اءعطيت للماهية، وكيف حل الفلاسفة الاماميون، وخصوصا ملا صدرا، اشكالية تشخصالماهيات؟ ان الماهية -اجمالا- مصدر صناعي، ماءخوذ من سؤال: ما هو؟ وهي ما به الشيء هو. وهي بمعنى الكلي الذي يتكونفي الذهن من خلال عملية تصورية استقرائية للجزئيات العيانية. لذا تعتبر من المعقولات الثانية التي توجد في الذهن،فيما تتحقق مصاديقها الجزئية، كموضوعات خارجية. من هنا اعتبرت -لا اءقل عند القائلين باعتبارية الماهية- ذاتصبغة تصورية انتزاعية، لا تتشخص الا على نحو اعتباري، عرضي، كما سنرى بعد ذلك. وقد اعتبرها الفلاسفة القدماءاءصيلة فيما اعتبروا الوجود عارض اعتباري. واستمر النزاع في حدود الماهية نفسها واعتباراتها، حول ما اذا كانتالماهية في الخارج هي نفسها من حيث هي، اءم اءنها اعتبارية في الخارج، ثابتة في الذهن. وحتى يتمكنوا من تحرير هذاالنزاع، قسموا الماهية الى ثلاثة اعتبارات، بعضها له وجود في الخارج، وبعضها الاخر لا يبرح الذهن. من هنا عمل الفلاسفة على تبيان تعرف الذهن الى الماهية، من خلال التصنيف السابق لانواع الاعتبارات المجعولةللماهية. فهناك القسم الاول، ويعني الماهية المتعلقة بالموجود الخارجي، وهي الماهية المقيدة اءو المخلوطةبالعوارض المشخصة. والقسم الثاني يتعلق بالماهية المجردة التي لا تتجاوز الذهن في تحققها. لقد سموا الاعتبار الاولب: الاعتبار بشرط، وسموا الثاني: الاعتبار بشرط لا.. وهناك اعتبار ثالث يسمونه: (الاعتبار لا بشرط). وهو الاعتبار الذي لايتحدد بحيثية ولا يختلط بعوارض. فهو يوجد في كلا الاعتبارين على وجه القسمة، ويسمى اءيضا (الكلي الطبيعي).وعلى الرغم من اءن هناك منكرين لوجود الكلي الطبيعي اءصلا، الا اءن القائلين به حاولوا تفسيرا قسميا. اذ المقسم يوجدفي اءقسامه مثلما نقسم الذكورة بين الاطفال واليافعين. فالذكورة هنا توجد بكاملها في كلا القسمين. وبهذا الصدد تردمواقف فلاسفة الامامية. فالطوسي مثلا يقرر: (وقد تؤخذ جاءي الماهيةج لا بشرط شيء وهو كلي طبيعي موجود فيالخارج، وهو جزء من الاشخاص وصادق على المجموع الحاصل منه ومما اءضيف اليه). وقد استمر النزاع وسرى الى المفهوم نفسه، اذا عرفنا اءن وجود الكلي الطبيعي في الماهية المخلوطة المتحقق فيالخارج يلزم عنه وجود الخارجي اءيضا، مع اءن هناك من لا يعتبر وجودا حقيقيا للماهية المخلوطة الا على وجه المجاز.ومن ثمة كانت الماهية بما هي، لا موجودة ولا معدومة، اءو كما يقول ابن سينا: (الماهية من حيث هي ليست الاهي). في خضم النزاع الدائر حول ما اذا كان وجود الفرد واسطة لوجود الكلي الطبيعي، على نحو الواسطة في الثبوت اءوالواسطة في العروض، ظهر بيان الفارابي، الذي حول النظر -كما سبق القول- من الماهية، كمحط للنظر الانطولوجي،الى الوجود، معتبرا التشخص من لوازم الوجود العيني. وليس للماهية تشخص الا من حيث هي متحدة بالوجود العيني.وهي، اذا، بداية اعتبار اءصالة الوجود مقابل اعتبارية الماهية، التي سوف تتوضح بشكل كبير مع ملا صدرا، حين عبر عنذلك القلق، بقوله: (واني قد كنت شديد الذب عنهم في اعتبارية الوجود وتاءصل الماهية، حتى اءن هداني ربي وانكشفلي انكشافا بينا اءن الامر بعكس ذلك). وقد غدا الوجود، بعد ذلك اءصيلا، فيما الماهية معتبرة، ليتحرر النزاع، بذلك حول تشخص الماهية. هكذا يعبر ملاهادي السبزواري من بعد الشيرازي، في المنظومة: ان الوجود عندنا اءصيل دليل من خالفنا عليل لانه منبع كل شرف والفرق بين نحوي الكون يفي وكما ذكرنا سابقا، فان القول باءصالة الماهية مما شاع نسبته الى الاشراقيين، فيما ينسب القول باءصالة الوجود الىالمشائية. غير اءن ثمة من نفى اءن يكون هناك من تحدث بصريح العبارة عن اءصالة الوجود من قبل.(فالمطهري)، من المعاصرين، ينفي -في شرح المنظومة السبزوارية- وجود مثل هذا المفهوم عند اءرسطو اءوالفارابي اءو اءبي علي ابن سينا معللا ذلك باءن قصارى ما هنالك، عند ابن سينا، كلام كثير يمكن اءن يستفاد منه ما يعززالقولين معا، اءي اءصالة الوجود واءصالة الماهية. واعتبر تاريخ نشاءة مفهوم اءصالة الوجود يتحدد بمجيء ملا صدرا.والمبرر الاخر يظهر من خلال موقف (ميرداماد) اءستاذ ملا صدرا، الذي كان من المنتسبين للمشائية، ومع ذلك يرىاءصالة الماهية. وقد كان تقرير ملا صدرا السابق حول انقلابه المذهبي من القول باءصالة الماهية الى اءصالة الوجود، دليلاصريحا على اءنها كانت مذهبا للمشائية اءيضا. وهنا تجدر الاشارة الى اءن محددات الفلسفة الاشراقية والمشائية لم تكندقيقة. كما اءن حقيقة انتساب عدد من الفلاسفة المسلمين الى المدرستين لم يكن اءكثر من ذلك دقة. نعم، لقد كان ملاصدرا اءكثر التزاما وتكاملا في موقفه من اءصالة الوجود. وربما كان اءول من اءعاد بناء صرح الانطلوجيا السينوية علىاءرضية اءكثر وضوحا وانسجاما. وليس يسيرا على المحقق المحتاط القبول بهذا الراءي. خصوصا واءن اءصالة الوجود، هيمن القضايا الاساسية المميزة لفلسفة اءرسطو وجوهر الانقلاب المشائي على الافلاطونية. ربما ظلت المشائية، منذاءرسطو حتى الفارابي الذي زاد في توليفها، غير منسجمة في رؤيتها الوجودية قبل ورود ملا صدرا، الذي استطاع اءنيخفف من غلواء النزعات الاشراقية في نظرية الوجود. وكان الاقل تاءثرا باءيديولوجيا عصره، تلك التي كان واحدا مناءبرز ضحاياها. اننا، حينما نتحدث عن موقف الفلاسفة المسلمين عموما من الفلسفة اليونانية، نواجه ظاهرتين بارزتين: الاولى تتعلقبذلك المشوار المعرفي الطويل، الذي استكملوا نقائصه، عبر جملة من الابتكارات المهمة. والثانية تخص الطريقة التياقتفاها هؤلاء في سبيل انتقاء الموروث الاغريقي، على صعيد حل جملة من الاشكاليات المعرفية والثقافية التي ابتليبها المجتمع العربي والاسلامي من خلال تفوقه السياسي على القوى المتاخمة له. وقد نجد هنا -وخلافا لكثير من القراءات- صعوبة في تفسير هذه التوترات الثقافية التي جاءت نتيجة لصدمة الفكراليوناني، من خلال مقترب سياسي محض، كما لو اءن انتصار المشائية الاسلامية لتاءصل الوجود واعتبارية الماهية، فيهنوع من الاسقاط على النظام السياسي الواحدي اءو الشمولي الذي عاصروه. خصوصا بعد اءن تبين اءن هناك من دافع بقوةعن اءصالة الماهية، من دون اءن يكون منخرطا في الاتجاه السياسي العام، وعكس ذلك اءيضا.. فالسهروردي الشهيد،وهو من اءكبر المنافحين عن تاءصل الماهية، ظل رمزا لتراث المعارضة، وظل فكره مصدر ازعاج للسلطة السياسيةوالاجتماعية حينئذ. نحن نرى، اذا، اءن ثمة قلقا معرفيا حقيقيا ظل جاثما ومتحكما بصيرورة الفكر العربي والاسلامي.. هو ما ينبغي اءن نؤطربه هذه التجربة الرائدة، ونجعله العامل الاكثر اءهمية في استيعاب ذلك الاضطراب. فاذا ما تفادينا بحث الاشكاليةالرئيسية، التي واكبت ذلك الاشتباه التاريخي لجملة من المصادر الفلسفية التي نسبت خطاء لارسطو، والتي جاءتعبر موروث متاءخر يتعلق بالتراث الافلوطيني تحديدا، فاننا نقول، ان المسلمين كانوا قد بذلوا جهدا تاريخيا كبيرالتجاوز هذه الازمة المصدرية، ليتمكنوا في نهاية المطاف من القبض على اءرسطو (فلاسفة الاندلس) من جهة، وعلىاءفلاطون (فلاسفة ايران) من الجهة الاخرى. ففي خضم الاشتغال الفلسفي المبكر الذي فجره فيلسوف العرب، الكندي،وبلغ ذروته مع كل من الفارابي وخلفه ابن سينا، كنا اءمام تيار فلسفي ملتبس، تتقاطع فيه مفردات المثل الافلاطونيةبالفلسفة الارسطية. من هنا كان الفاصل بين المدرستين شفافا الى اءقصى الحدود. ومن الناحية المعرفية الخالصة، نستطيع فهم الاشكالية الكبرى التي دارت بين اءنصار تاءصل الماهية واتباع اءرسطو، الذيكثيرا ما انبهر به الفلاسفة العرب. وذلك من خلال وضعها في اطارها الابستمولوجي، حيث واجه كل من اءفلاطون وبعدهاءرسطو، مشكلة مزمنة تتعلق بالعلم وموضوع المعرفة. فالعلم الذي هو مناط المعرفة يتعلق بالاجناس، اءي الماهياتالكلية، فليس هناك علم الا بالكلي. (وهذا ما حمل اءفلاطون على اءن يجعل فوق الموجودات المتغيرة، التي هيموضوعات للظن، ماهيات المثل الثابتة، وهي موضوعات للعلم، وهذا مخرج كان مسدودا في وجه اءرسطو الذي كانمن جملة شواغله الرئيسية آنئذ اءن يكشف عن العناصر الثابتة والدائمة المندرجة في قلب التغير ذاته). فاذا مااستحال على العلم ادراك الوجود بما هو موجود الوجود في ذاته، فمعنى ذلك اءن العلم الموضوعي يغدو اءمرا خياليا.ولا شك اءن اشكالية كهذه، كم هي خطيرة، حينما نسلم بموضوعية العالم وظاهراته. ان موقفا اءرسطيا كهذا قد نجد لهامتدادا حيا في (النومين) الكانطي، ثاني اءكبر انقلاب عقلاني في اءوروبا بعد الديكارتية. اءي ذلك الموقف المستقبحلدى جمهور التجريبيين والماديين المنكرين لمفهوم (النومين) الكانطي. نقول اننا اءمام اشكالية كهذه، لابد من اءن ننكرمفهوم الشيء في ذاته اءو اءن نصرف العلم الى موضوع آخر غير الوجود. فنحول النظر الانطلوجي الى جدل معكوسعلى غرار ما فعل اءفلاطون الذي حل اشكالية المعرفة بتقرير عالم المثل، وصرف العلم الى الماهية الثابتة، الاصيلة. وعلى الرغم من ذلك، فان اءرسطو، وهو اءول من وضع الارغانون في محاولة لضبط عملية التفكير، واستقراء قوانين الفكرالانساني، يحاول عبر آلته المنطقية، انزال الفلسفة الى العياني، وجعل القياس سبيلا من العام الى الخاص، ومن الكليالذهني الى الجزئي الواقعي. هكذا كان انتساب اءرسطو لاصالة الوجود واضحا، بل لا نجازف بالقول لو قررنا اءنه مؤسسهاالرئيسي. وهي اءولى المحاولات الناجحة نسبيا في وضع خطوات الفكر الانساني على طريق العلم الموضوعي، علىالرغم من الثغرات المنهجية والعلمية التي انطوت عليها الفلسفة الارسطية، تلك الثغرات التي لم نكن لنراها علىحقيقتها الا بفضل الانجازات التي يشهدها صرح العلم المعاصر، الذي هو مدين لذلك الانقلاب المعرفي التاريخيالذي اءحدثته الارسطية، وهي ثورة حقيقية كانت قد بداءت في دنيا البحث الانطلوجي وعلم الطبيعة. وحتى لا نخوض اءكثر في موضوع كهذا بعيدا عن مقصد بحثنا، نعود لنؤكد على اءن القول باءصالة الوجود، الذي يساوقالقول بموضوعية العالم واستقلاله، هو من روائع ما جاءت به الارسطية. ولئن استطاع فلاسفة الشيعة النجاح في بلورةهذا المنحى المعرفي، فذلك راجع الى اءنهم مثلوا، بجدارة، هذه المشائية، اءحس تمثيل، واءكملوا بنيانها على اءتمالوجوه. كان اءرسطو قد اءولى اءهمية خاصة للموجود، واءسبقية الطبيعة، حيث نعت الموجودات الجزئية العيانية بالجواهر الاولى،في حين اءطلق على الكليات الذهنية، الجواهر الثانية، وبذلك حدد اتجاها واقعيا للفلسفة، حيث نكاد نجد نزعة ماديةقريبة من اتجاه المادية الجدلية التي تجعل من المفاهيم والتصورات الكلية ومجمل منظومة الافكار مجرد انعكاسسلبي للواقع العيني. وهي لذلك تمثل البنية الفوقية، الثانوية. ان النقوض التي وجهها اءرسطو لاستاذه اءفلاطون في (مابعد الطبيعة) كانت موجهة ضد مثالية هذا الاخير. كما اءن حجج اءرسطو في تلك النقوض لا تجد مسوغاتها الا في البعدالمادي الذي يعتبر اءصالة الوجود احدى اءهم ركائزه الفلسفية. ولم تكن مثالية اءرسطو الا استجابة قهرية للمرحلة العلميةالتي احتضنت انبثاق حركته النقدية، ونتيجة عجز معرفي ران على مجمل النظر الفلسفي في ذلك العصر. فكما اءناءصالة الوجود هي الاساس الذي بنى عليه اءرسطو صرح نظره العلمي، فان الفارابي الذي تقبل الفيض الافلوطيني مندون اءن يلزم نفسه بمجمل الفلسفة الفيضية، كان من المؤسسين لاصالة الوجود في حقل الفلسفة العربية والاسلامية-ودائما- على الرغم من ظهور ما يناقضها في فلسفته التي تبقى قابلة لاكثر من قراءة في ضوء مكونات عصره الثقافية،ونتيجة للاشتباه التاريخي السابق الذكر، حول المصادر الفكرية للمدرسة المشائية. ومهما بلغ التناقض، في البناء النظريللفيلسوف الفارابي، فان ارتكازه على اءصالة الوجود لا يحتاج الى تاءويل اءو تعمل مسرف. اذ يكفي الرجوع الى بعضمواقفه الحاسمة التي اءعطى فيها الاولوية للواقع الموضوعي وحقيقته. وكما سبق القول، فان ما اعترى مذهب الفارابيالفلسفي من تناقضات بين مفاهيم مثالية اءفلاطونية واءخرى واقعية اءرسطية، راجع الى عدم انسجام هذه الفلسفة التياءعلنت للوهلة الاولى عن استراتيجيا اختراقية، لتوليفة جامعة لاراء الحكيمين مع تغليب واضح للارسطية في هذاالمقام الاشكالي. فضلا عن اءن الفارابي لم يكن مؤهلا لتجاوز كل العوائق المعرفية التي لم يوفق المعلم الاول في التغلبعليها. كما يمكن ارجاع جزء من ذلك الالتباس الى التوليفة الايديولوجية التي فرضها مجمل الوضع السياسي الذيعاصره الفارابي. مع ذلك نلاحظ اءن الفارابي يقرر بصورة حاسمة هذه الحقيقة، وهي اءن العالم الخارجي واقع موضوعيينعم باستقلاله وحقيقته. . واذا اءردنا فعلا القبض على ما يوليه الفارابي للموضوعات الحسية من اءهمية يجب اءن لانحاكمه بلجوئه المكثف الى المثل الافلاطونية التي كانت بالنسبة اليه الملاذ الذي ياءوي اليه لحظة عجزه عن فك نزاعفلسفي ما، استنادا الى اءرسطو. هكذا، نجد اءن موقف الفارابي من الموجود العياني هو تحديدا موقف اءرسطو، خصوصاعندما نتعرف الى موقفه من المعقولات الاولى، وتفسيره لعملية ادراك البديهيات، التي جعلها تبداء من الجزئي الخاصالى الكلي العام. وهذه المفردات الوجودية التي توحي باستناد الفارابي الى اءهمية الحسي، نستطيع القبض عليها فيواحد من اءكثر النصوص وضوحا وحسما، حيث يقول: (من البين الظاهر اءن للطفل نفسا عالمة بالقوة، ولها الحواس آلاتالادراك. وادراك الحواس انما يكون للجزئيات، وعن الجزئيات تحصل الكليات. والكليات هي التجارب على الحقيقة.غير اءن من التجارب ما يحصل عن قصد. وقد جرت العادة بين الجمهور، باءن يسمي التي تحصل من الكليات عن قصد،متقدمة التجارب. فاءما التي تحصل من الكليات للانسان لا عن قصد، فاما اءن لا يوجد لها اسم عند الجمهور، لانهم لايعنونه، واما اءن يوجد لها اسم عند العلماء، فيسمونها اءوائل المعارف ومبادىء البرهان، وما اءشبهها من الاسماء. وقدبين اءرسطو في كتاب (البرهان) اءن من فقد حسا ما فقد فقد علما ما. فالمعارف انما تحصل في النفس بطريق الحس. ولماكانت المعارف انما حصلت في النفس عن غير قصد اءولا فاءولا، فلم يتذكر الانسان، وقد حصل جزء منها. فلذلك قديتوهم اءكثر الناس اءنها لم تزل في النفس، واءنها تعلم طريقا غير الحس. فاذا حصلت مثل هذه التجارب في النفس صارتالنفس عاقلة، اذ العقل ليس هو شيئا غير التجارب، ومهما كانت التجارب اءكثر، كانت النفس اءتم عقلا..). ان مصدر المعرفة اذا، وفي ضوء هذا النص، هو الحس ونلاحظ اءن الفارابي هنا لم يقف سلبيا اءمام اشكالية انتقال الفكرةالى الذهن، تلك التي توقف عندها اءرسطو حينما عزاها الى الحدس العقلي الخالص. بل لقد حاول -الفارابي- اءن يزيدفي توضيح النزعة الموضوعية في الفلسفة الارسطية، وذلك من خلال جعله الحس والتجربة اءساسا للمعرفة. وهوالمسار الذي سوف يشهد تكاملا اءكبر داخل البناء الفلسفي السينوي، حيث نواجه موقفا واضحا، يقر بالاولويةللموجود، واستقلال العالم الموضوعي عن الوعي. لذا يقرر اءن (لا متقدم بالوجود قبل الوجود). فالماهية تاءتي متاءخرة عن الوجود، بل هي ذلك الكلي المجرد الذي يتم عبر عملية انعكاس، تتجه من العياني الىالذهني، ومن الجزئي الى الكلي. وينقلنا الى هذه الحقيقة نص آخر، ورد في التعليقات لتلميذه (بهمنيار) يقول فيه(ليس للانسان اءن يدرك معقولية الاشياء من دون وساطة محسوسيتها، وذلك لنقصان نفسه واحتياجه في ادراك الصورالمعقولة الى توسط الصور المحسوسة ج...ج ولكل شخص جزئي معقول مطابق لمحسوسه، والنفس الانسانية تدركذلك المعقول بتوسط محسوسه ج...ج وحصول المعارف للانسان تكون من جهة الحواس وادراكه للكليات من جهةاحساسه بالجزئيات ج...ج والحواس هي الطرق التي تستفيد منها النفس الانسانية المعارف). ويؤكد مرة اءخرى ذلك بمزيد من التوضيح: (والجزء لا يحصل لنا العلم به الا بعد وجوده، ووجوده يكون جزئيا لامحالة). ان هذه التقريرات التي لها نظيراتها في المتن السينوي تبين -بما فيه الكفاية- موقف اءبي علي، ابن سينا، الحاسم منمساءلة موضوعية العالم، واستقلاليته عن الوعي. ما دام اءن (جميع هذه الموجودات، وجودها خارج عنماهيتها). ويتجلى البعد الواقعي بوضوح في تحديده لكيفية انتقال الفكرة من المحسوس الى الذهن، بواسطةالتعقل، اءو بتعبيره: (ان السبب في اءن يكون الشيء معقولا، هو باءن يتجرد عن المادة). هذا التجرد هو وظيفة عقلية.وهو اجراء معرفي دقيق يعزز حقيقة العالم الحسي. فالتجريد ذرخژحزژژآ < اءساسية عملية>في تكوين الفكر، فلا مجاللاحراز المعرفة من دون وساطة التجريد.. موقف سينوي، سيتكرر على مدار العصور لدى جميع التجريبيينوالواقعيين. ان هذا العرض الموجز لمعالم الفلسفة الارسطية، وامتدادها، في الفلسفة الاسلامية، عند كل من الفارابي وابن سينا،يفيدنا في دحض الراءي المغالي، الذي يجعل اءصالة الوجود من مبتكرات ملا صدرا، وعدم وجود آثارها عند الفلاسفةالثلاثة. لقد اءحدث القول باءصالة الوجود طفرة جديدة في التفكير الفلسفي لمساءلة علة تشخص الماهية عند اءنصار المشائية، اذما اءن شاع القول بخلاف هذه المساءلة، مع انبعاث التيار الارسطي، حتى تشعب النقاش واستفحل النزاع في آثار اءخرىللقول الوجودي، نظير مفهوم المشتق، وجعل العلة، وكلية الماهية اءو جزئيتها، وقضايا اءخرى.. كان الغرض، اذا، من هذه الملاحظة، هو وضع فكرة (اءصالة الوجود) في سياقها التاريخي، الذي اءفاده ملا صدرا منالمتون السينوية والفارابية والارسطية اءيضا، التي ظلت في حيرة من اءمرها اءمام تقرير هذه الاصالة. الا اءنه لا ننكر اءهمية ماتوصل اليه فيلسوفنا، وهو ينظم فكرة اءصالة الوجود، ويؤسس لها بوضوح تام. نقول، اذا كان ملا صدرا قد اءولى اءهميةقصوى للوجود، فكيف نظر الى علاقة الوجود بالماهية؟ ولمن الاسبقية والتاءسيس؟ علاقة الوجود بالماهية ان البناء الانطلوجي الذي شيده ملا صدرا، على الرغم من اءنه ينتهي الى وصل الموجود العياني بالموجود الماورائي،فانه كان قد خطا خطوة جبارة على سبيل التفكير الموضوعي للعالم. فاءصالة الوجود كانت قد حلت جملة منالاشكاليات الاخرى، سواء ما تعلق منها بعالم الموجود المحسوس اءو بمجال الالهيات. فالماهية بالنسبة لملا صدرا هياءمر انتزاعي لا حقيقة له الا من حيث هو موجود، وقبل وجوده لا اعتبار له سوى في الذهن. فعلى الرغم من اءن الماهيةقد تسبق الوجود هنا، الا اءنه، واقعيا، تكون الاسبقية للوجود، ومنه تنتزع الماهية. فهذه الاخيرة، في حد ذاتها، معلولةواقعيا للوجود. والمعلول يتاءخر رتبة عن وجود علته. فيغدو الوجود هو الاصل، وهو الاشرف. غير اءن السؤال الذيينتصب هنا هو: اذا كان وجود كل موجود هو حقيقته، وليس ماهيته، فما هي حقيقة واجب الوجود؟ لا شك في اءن ملاصدرا، وانطلاقا من تقريره لاصالة الوجود، سيرى اءن الماهية اءمر عارض على الوجود. وهذا الاخير اءمر زائد عليها. فكلوجود ذو ماهية، هو ممكن. وكل ممكن هو زائد الماهية. وهذا ما يعني اءن واجب الوجود، هو الوجود نفسه وماهيتهعين وجوده. فالماهية الزائدة -اذا- هي من خصائص الوجود الامكاني. ان اءصالة الوجود سوف تمثل بالتالي اءرضية جديدة، لاعادة النظر في عدد من القضايا الفلسفية المتفرعة عن اشكاليةالوجود، وهي عند ملا صدرا، ستؤول الى حبك نسق انطلوجي، ينتهي الى تقرير وحدة الوجود في اطار آخر، يختلفعن مذاهب الحلول والاتحاد، كما يختلف عن مذاهب الوحدة المادية. وهذه الوحدة النسقية في النظر الى اشكاليةالوجود، تتوضح اءكثر من خلال نظريته في وحدة الوجود التي حاول اءن يحل على اءساسها مشكلة التكثر فيالوجود. لقد اعتبر ملا صدرا الوجود متاءصلا، وهو الحقيقة الوحيدة للموجود، وبالتالي فهو الاسبق، وعلة لوجود الماهية. وهو،اءيضا، ظاهر. اءما من حيث الحقيقة، فهو واحد، وبسيط، لا جنس له ولا فصل، كما تقدم. وبسيط الحقيقة، كمايقرر ملاصدرا، هو كل الاشياء. فاذا كان الوجود بسيطا، وهو ما يعني بالاصطلاح الفلسفي ما ليس قابلا للقسمة، وما تنحل اليهجميع الموجودات فكيف تنشاء الكثرة في العالم؟ ان الفلاسفة السابقين لملا صدرا، اءتعبوا اءنفسهم في حل هذه المعضلة.. غير اءن فيلسوفنا، ينظر اليها بمنظار آخر. فقدفكك اشكاليتها باءسلوب فريد للغاية. انه طبيعي جدا، حينما نقر بتاءصل الوجود، اءن نعتبر التكثر نوعا من الاعتبارالمنطبق على الماهية. فالتكثر هو من شاءن الماهية. ولفهم ذلك، نقول: ان الموجودات الخارجية جميعها تخضع لعمليةالايجاد، فهي معلولة لعلل اءقوى منه واءشرف. فكل معلول مفتقر الى علته. وهذه الاخيرة مستقلة عنه. ومنشاء علاقتهابمعلولها هو عين هذه المعلولية. ثم ان هناك علة اءعلى تكون موجدة لهذه العلة. وهكذا يتسلسل الامر. ان كل موجودهو في حاجة الى علة اءشد منه في الوجود واءكمل. وما دام اءن العالم خلو من وجود غاية في الكمال، فان علته النهائيةتقع خارج عالم الطبيعة. من هنا، وتاءسيسا على تقسيم الوجود الى واجب وممكن، سيقرر ملا صدرا، باءن حاجة الممكنالى العلة الموجودة، راجع الى ما اءسماه (الفقر الوجودي). فالوجود، اذا، حاصل في جميع هذه الموجودات بصورةتشككية، اءي اءنه يوجد بالتساوي مع فارق في درجات الشدة والضعف. فثمة وجود اءشد وآخر اءضعف. والضعف هو علة حاجة الممكن الى موجده. وهذه الكثرة الظاهرة، انما هي كثرة حاصلةبقيد الكثرة الماهوية. انها ليست كثرة وهمية -طبعا- كما هو مذهب الوحدة المطلقة. بل هي كثرة خاضعة لوحدة مننوع آخر. وهذا يظهر من خلال نظريته في سريان الوجود والجعل البسيط للوجود. ان الخاصية الرئيسية لوحدة الوجود،كما عرضها ملا صدرا، هي في التاءكيد على موضوعية الموجود العياني. وكونه يصفها بالوجود، ليس من باب المجاز. بلهو طالما ظل يؤكد على اءن التشخص من لوازم الوجود الفعلي. من هنا، فان ملا صدرا سوف لا يقول بوحدة الوجود منحيث هي نفي لحقيقة الموجود، ما دام هو يؤكد هذه الماهيات المتشخصة بوجوداتها. ولا يرجع الوحدة الى واجبالوجود الاول من حيث لا وجود الا وجوده والباقي، اعتبارات وهمية، كما ذهب ابن عربي. وليس بجعله الوحدة فيالوجود الطبيعي ونفي ما يفارقها كما سيقرر بعد ذلك سينوزا.. ان ملا صدرا يقر بالوجود الواجب ووجود الممكن، على السواء. وكونه كذلك، فهو يقر بالكثرة في الموجود الممكن.فكيف يتم اقرار هذه الوحدة -اذا-! ان فيلسوفنا، يعيد فكرة الايجاد الى ما اءسماه بالجعل البسيط. وهو ما يعني به.(افاضة نفس الشيء متعلق بذاته مقدس عن شوب التركيب) واما (مؤلف، وهو جعل الشيء شيئا وتصييره اياه،والاثر المترتب عليه هو مفاد الهلية التركيبية الحملية). ومعناه اءن الجعل البسيط هو جعل الشيء، واعطاؤه الوجود.بينما يفترض في الجعل المركب اءو المؤلف، وجود الموضوع، وينحصر الجعل هنا في تصييره شيئا. ان العالم في نظرملا صدرا مجعول بالجعل البسيط. وهذا يتوصل اليه بوساطة تحليل علاقة العلة بالمعلول. فالعلة في حالة البساطة لايمكن اءن تجعل غير نفسها، والا حصل التركيب، واءدى الامر الى دور. فالجاعل البسيط يجعل الموجود بسيطا، اءي اءنالعلة البسيطة لا توجد الى ذاتها. كما اءن مجعولها هو عين ذاته. فالعلة وحدها الموجودة، ما دام اءن المجعول، لا حقيقةله، غير كونه مضافا الى علته بنفسه. فالجاعل يوجد وجود المجعول، وليس ماهيته. وهذا واضح عند ملا صدرا فيضوء تقريره لاصالة الوجود. والوجود من حيث هو بسيط، هو واحد. وبسيط اءيضا في الموجودات التي تتشخصماهياتها المتكثرة بهذا الوجود. فالجعل، في نظر ملا صدرا، هو (جعل وجودي) وليس ماهوي. من هنا نفهم اءن لا اثنينيةبين العلة والمعلول من ناحية الجعلية. ما دام المجعول هو الوجود البسيط، الواحد. ان الكثرة من خصائص الماهية. لكنالوجود وهو حقيقة الموجود، وحقيقة تشخص الماهية نفسها، يبقى واحدا. والعلاقة بين العلة الموجدة والمعلولالموجود، هي علاقة كثرة ووحدة في الوقت نفسه. كثرة باعتبار ماهياتها المتشخصة بالوجود الساري من واجب الوجودالى الموجودات الممكنة، بنحو يختلف عن الاتحاد والحلول والاتصال، بل نظير استيلاء الروح على البدن مع تنزههاعنه. وهذا ما يسميه ب (سريان الوجود). اذا، لابد من الاقرار باءهمية هذا التحليل الذي انتهى اليه صدر المتاءلهين،والذي يعتبر نتيجة للقول باءصالة الوجود. ان الوجودات العيانية، تشترك في هذا الوجود البسيط، وان ظل يسري فيهابصورة تشككية متفاوتة من حيث الشدة والضعف. وهذا التشكك، هو ما يميزها عن بعضها فما به الامتياز، اذا، يعودفي نهاية المطاف الى ما به الاشتراك. لان الشدة والضعف ليسا حكاية عن تكثر خارج حقيقة هذا الاشتراك. فهما لايخرجان عن حقيقة الوجود نفسه. هكذا تتقرر نظرية ملا صدرا في وحدة الوجود، والتي تعرف ب (الوحدة في عين الكثرة). وبهذا يكون قد تفادى كلا مننظرية المحقق الدواني في وحدة الوجود وكثرة الموجود ونظرية ابن عربي في وحدة الوجود والموجود، المنحصرة فيوجود الصانع وحده. كما تفادى مذاهب الاتصاليين والحلوليين. ولا يخفى اءن ملا صدرا، وان اءلزم نفسه طريقة النظارالمشائيين في تحليل نظرته، فهو لا يغيب عنه تقريرها بوساطة الذوق. ويكفي اءن يقرر، في بداية الاسفار، الرحلة العقليةالاولى من الخلق الى الحق، حيث يخرج السالك من الحجب الظلمانية والنورانية التي تسببها هذه الكثرة الظاهرة، كييستقر في النهاية على حقيقة الوحدة، فيتم الفناء الاول. ولعل هذا الفناء كما ذكرنا، اذا لم يعقب بصحو، فقد يؤدي الىوحدة مطلقة كتلك التي قال بها الحلاج اءو ابن عربي. لكن المتاءمل في مجمل الاسفار الاخرى، يثبت اءن هذا الفناء الذيقد يجعل الاعتقاد بالكثرة اءمرا متعسرا، يعقبه صحو آخر، اءو فناء الفناء. حيث يعود السالك من مقام مشاهدة الوحدةالى مقام مشاهدة الكثرة. ان مذهب ملا صدرا، بهذا الخصوص، مذهب جدلي يصعب نسبته الى القائلين بالوحدة كما لايجوز نسبته الى القائلين بالكثرة. فهو بينهما يجترح رؤية جديدة، جعلت مخالفيه على درجة واحدة من القصور. فيحين ظلت نظريته تمثل الحقيقة الجامعة للطرفين. وعليه، لا نستطيع تصنيف ملا صدرا ضمن المذاهب المادية، ذاتالمنزع الدهري، الكافرة بالمثل. كما لا نملك نسبته الى المدرسة الافلاطونية الخالصة. طريق ملا صدرا منفتح وتعادلي هكذا يمكننا عزو ما نسب اليه، من قبل عدد من دارسي نظريته، الى نوع من الغلو والتكلف. فهناك من حاول اءن يؤسسمن خلال ملا صدرا نظرية مادية خالصة. وهناك من اعتبره -مثل كوربان- فيلسوفا اشراقيا. والحقيقة اءنه اتبع طريقامنفتحا على قدر تعادلي بين النظر البرهاني والمشهد الذوقي، بين المثل الاشراقي واءصالة الوجود. اءي اءنه ظل موضوعياحتى في مجال الكشف الذوقي والالهام العرفاني.. واشراقيا حتى في مجال النظر البحثي. فاذا جاز اءن ننسب نظرية ملاصدرا في الوجود الى جهة ما، فانما الى جوهر التصور الاسلامي، الذي يثبت موضوعية العالم، ويقر بحقيقة الموجود،مع التاءكيد على عالم المثل، غير الخاضع لقانون الطبيعة، وهو عالم الروح. فلا ننسى اءن ملا صدرا، بوصفه فيلسوفااماميا، كان متحرجا من نظرية وحدة الوجود، بالمعنى الذي راج قبله، مخالفا بذلك جميع اءسلافه كابن عربي، ومعرضاعن الفارابي وابن سينا. بل ان فكرة الجعل البسيط التي برهن بها على هذه الوحدة لم يقل بها ابن سينا من قبله. وهذا مايؤكد على استقلال فلسفته وبراعة نهجه النقدي! تعليقات
أعرض التعليقات على شكل
(تخطيطي | متواصل)
اضافة تعليق
|
بسـم الله الرحمن الرحـيم"عم يتسائلون عن النبأ العظيم اللذي هم فيه مختلفون"
التقويم
بحث سريعيمكنك أخذ نسخة للطباعة بأحدى هذه الصيغادارة المجلةاحصائياتتاريخ آخر مقالة : 2023-09-02 13:16
|
Copyright 2007 © Liberal Democratic Party of Iraq