في آخر يوم من شهر كانون الأول (ديسمبر) 2006، ترك كوفي أنان، وهو غانيّ في الثامنة والستين من العمر، منصبه كأمين عام للأمم المتحدة بعد عشر سنوات من توليه هذا المنصب.
كان أنان أوّل أمين عام يصعد إلى أعلى الهرم من خلال مراتب بيروقراطية الأمم المتحدة وكان طاقم الأمم المتحدة يكنّ له الاحترام. وخلال الفترة العصيبة التي مرت فيها الأمم المتحدة حيث شهدت ولادة تنظيم «القاعدة» وبرنامج ايران النووي واجتياح العراق وقصف لبنان، كان قائداً دولياً بارزاً ومحترماً. وتذكرتُ أنني اعتبرت مرة أنه سيكون من الصعب على خلف كوفي أنان أن يملأ الفراغ الذي سيتركه وتبيّن أنني على حق.
تمّ استبداله ببان كي مون، وهو أكبر منه بخمس سنوات، وكان وزير خارجية كوريا الجنوبية. ولا يجب أن نفرح بالطريقة التي يتم بها اختيار كبار الديبلوماسيين في العالم، إذ يتم اختيار الأمين العام مداورة بين المجموعات الجغرافية الاساسية عوضاً عن البحث عن الشخص الذي يتمتع بخبرة كبيرة، وعن المرشح المناسب.
وبان كي مون هو ابنُ عامل في معمل للأرز من منطقة فقيرة في كوريا الجنوبية، درس في جامعة سيول الوطنية، ثمّ التحق بمدرسة كينيدي للحكومة في جامعة هارفارد. وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره ذهب صدفة لزيارة الرئيس جون كينيدي في البيت الأبيض. وهو متأهل وله ابن وابنتان، إحداهما تعمل في منظمة اليونيسيف في أفريقيا، ويُنظر إليه في كوريا على أنه ديبلوماسي متميز ومهني.
وتَرافق تعيينه كأمين عام مع إعلان كوريا الشمالية عن تجربتها النووية الأولى التي أجمع العالم على إدانتها إدانة شديدة. مثّل بلده خلال محادثات القوى الست مع كوريا الشمالية. ويبدو رجلا قلقا بطبعه فيما يعمل في الطابق الثامن والثلاثين من المبنى الرئيسي للأمم المتحدة الرئيس على تسهيل التوصّل إلى حلّ لمشاكل شبه الجزيرة الكورية.
ونشرت صحيفة «ذي تايمز» البريطانية في 12 تموز (يوليو) الجاري مقالاً انتقادياً كتبه مراسلها في الأمم المتحدة جيمس بون حول الأشهر الستة الأولى لبان كي مون كأمين عام، جاء فيه: منذ اللحظة التي ربح فيها بان كي مون السباق ليصبح أمينا عاماً، أعلن مسؤول بريطاني مهمّ بأسف: «أراده الأميركيون لأنه ضعيف وورطونا به». وجاء هذا الحكم بعد ممارسة بان الهزيلة في الأشهر الستة الأولى التي أمضاها في منصبه. وتمسك بان بخط مؤيد لأميركا فعيّن ديبلوماسياً أميركياً في أعلى منصب سياسي في الأمم المتحدة لأوّل مرة منذ عقود».
ويتابع جيمس بون قائلا: «يشير المطّلعون إلى أن صديق بان الحميم، كيم وون سو، يسيطر على مكتب الأمين العام، ما يؤدي الى ابطاء عمل الأمم المتحدة. وأعلن مسؤول يعمل في مكتبه أن أمين الأمم المتحدة يرتاح في العمل مع أشخاص من كوريا الجنوبية أو أميركا فحسب».
في مرحلة أولى، تمّ انتقاد كوفي أنان كونه كان مقرباً من الأميركيين، ما يعطي أميركا قدرة هائلة على التأثير على القرارات. ويشعر الأمناء العامون أنه يصعب العمل في الأمم المتحدة من دون دعم الولايات المتحدة كما أن العمل بالتعارض مع الولايات المتحدة الأميركية هو أمر مستحيل (وهي حجة جيدة ليصبح الاتحاد الأوروبي أقوى).
على غرار ما واجهه أسلافه، يشكّل الشرق الأوسط المنطقة الأساسية التي تعاني مشاكل بالنسبة إلى بان كي مون. كان قد ادعى أن اللجنة الرباعية المتعلقة بإسرائيل والعرب بدت أكثر حيوية مؤخرا وأضاف أنه استشير في مسألة تعيين توني بلير ليكون المندوب الدولي للجنة. وأعلن أن مكتبه اتخذ الإجراءات لإنشاء محكمة خاصة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وقد تعرض لانتقاد في أوروبا لأنه لم يتطرق إلى إعدام صدام حسين وبعض من معاونيه المهمين.
وفي شهر آذار (مارس) الماضي، قام بأول زيارة له إلى بغداد، وأثناء عقده مؤتمرا صحافيا مع رئيس الوزراء نوري المالكي في قلب المنطقة الخضراء، لم ينجح صاروخ إرهابي في إصابة المبنى. ويعتبر بان أن «الوضع في العراق تحسّن» كما أنه دعا جيران العراق إلى «العمل بشكل بنّاء» مع العراق. ويقرّ الأشخاص الذين ينتقدون بان بأنه ذكي وجذاب وبأنه يحاول أن يعيد تنظيم بيروقراطية الأمم المتحدة التي بدت فاسدة وغير فعالة في برنامج العراق (النفط مقابل الغذاء) وهو يعتبر أنه «في وسط الطريق وقريب من الجميع»... إنه السيد اللطيف. ويبدو أنّ النقص يكمن في إيجاد قائد حاسم يضطلع بمهمة واضحة وشخص مؤثر يُظهر انفتاحا كبيرا.
سياسي بريطاني من حزب المحافظين