دعوة الرئيس بوش لعقد مؤتمر سلام دولي حول الشرق الأوسط تضعه في الاتجاه الصحيح، ولكن في المكان الخطأ. فيجب ان يكون موضوع مؤتمر القوى الكبرى الذي يقترحه بوش، هو العراق، وليس النزاع الاسرائيلي الفلسطيني.
والمهمة العاجلة لبوش هي تشكيل استراتيجية خروج معززة للعراق لا تتأثر بالسياسة الداخلية والمعارك اليومية التي حولت الرأي العام ضد الحرب بصورة حاسمة.
ان تحديد موعد مؤتمر لصنع القرار حول مستقبل العراق السياسي في اوائل العام المقبل، آخر سنوات بوش في الحكم، سيساعد على تحقيق مثل هذا الهدف. ويجب ان يجمع هذا المؤتمر، الذي ينبغي عقده في باريس تحت اشراف الأمم المتحدة، القوى العالمية والإقليمية، وجيران العراق، وأحزابه السياسية الرئيسية ـ وباختصار كل شخص لديه مصلحة مهمة في انهاء معاناة بلد كان في حرب مع نفسه أو جيرانه لمدة 35 سنة.
ومن بين القضايا الرئيسية التي يجب على هذا المؤتمر حلها هي الانسحاب المرحلي للقوات الاميركية من مناطق الصراع الطائفي في العراق، وحلول قوات أمن أخرى محلها. والهدف هو اقناع جيران العراق العرب وإيران، التي تشن حربا بالوكالة عبر السنة والشيعة في العراق، بقبول مسؤوليتها في التوصل الى والحفاظ على هدنة دائمة بين تلك المجتمعات.
ويجب إيجاد التوازن بين قلق تركيا المشروع بخصوص عدم الاستقرار في شمال العراق، وإصرار الاكراد المشروع على الحفاظ على الحقوق الدستورية والاستقلال الذاتي الذي يمارسونه الآن. ويجب تقديم ضمانات أمنية من القوى الكبرى العالمية لكل دول الخليج التي تشجب مسألة امتلاك أسلحة نووية. وهكذا.
وأؤكد أن هذا الاقتراح المتواضع يبدو مثاليا، لا سيما اذا ما وضعنا في الاعتبار تاريخ بوش في «الاحادية» في مجال السياسة الخارجية. ولكن البديل المطروح للنقاش في اماكن اخرى ليس من المرجح نجاحه. فالاقتراح بعقد مؤتمر سلام عراقي ليس اكثر واقعية من نقاش الكونغرس حول تحقيق حكومة نوري المالكي لمجموعة من المعايير التي حددتها واشنطن، أو الحديث في الادارة الاميركية حول توسيع الحرب لإيران.
ان التغييرات السياسية في اوروبا تؤدي الى تفضيل حل متعدد الجوانب للازمة العراقية، فالرئيس نيكولاس ساركوزي وحكومته الفرنسية الجديدة ـ ولا سيما وزير الخارجية برنارد كوشنير ـ يتمتعون بمصداقية مع كل من واشنطن والقوى الاقليمية والعراقية. وهذا هو السبب وراء ضرورة عقد المؤتمر وتنظيم فرنسا له. ويقدم تولي غوردون براون منصب رئيس الوزراء لبريطانيا مرونة وسلطات جديدة بخصوص تغيير السياسة العراقية.
والفكرة الأساسية هي أن افق مؤتمر دولي مكرس لتخليص أميركا من العراق، يمكن أن يركز الأنظار في واشنطن والرياض وموسكو وبرلين ودول أخرى على العواقب العالمية لانسحاب أميركا. كما أنه سيمنح بوش بعض الخيارات السياسية المؤلمة التي يجب عليه القيام بها في الوقت الحالي في الاعتراف بأن منهجه قد فشل.
وليست هناك ضمانة، بالطبع، في أن جميع الأطراف العراقية أو الدول المجاورة، يمكن أن تشارك في مثل هذا المؤتمر. ولكن ارغامهم على الرفض يمكن أن يحدد، على الأقل، المسؤولية على الرافضين بسبب دورهم في الاستمرار في النزاع.
هل يمكن لإدارة ضعيفة أظهرت القليل من البراعة في ادارة السلام أو الحرب أن تؤدي بمثل هذا المشروع الدبلوماسي الطموح الى نتيجة ناجحة؟ ربما لا. ولكن تهيئة اطار لخلفه في التعامل مع انسحاب منظم من العراق، يمكن أن يكون انجازا بحد ذاته لبوش، ويمكن أن يساعد على تجنب اختبار دستوري للارادات مع الكونغرس بشأن القوى التي تصنع الحرب.
وأظهر بوش اهتماما جديدا في استخدام الدبلوماسية من أجل كسب الوقت بتلك الصيغة عبر الاعلان الأسبوع الماضي أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ستترأس مؤتمرا دوليا حول النزاع الاسرائيلي الفلسطيني في الخريف الحالي. وحتى الآن يرفض بوش التكتيك الذي استخدمته معظم الادارات السابقة في رعاية المحادثات العربية الاسرائيلية حتى اذا كانت فرصتها في النجاح ضئيلة. فالمحادثات من أجل المحادثات كانت أفضل من بديل اراقة الدماء، وكانت تزيل الضغط عن الأنظمة العربية.
وتقصي الشروط التي حددها بوش للمشاركة في المؤتمر، وأولها الاعتراف الرسمي بإسرائيل، بعض الدول العربية الرئيسية وإيران ومتطرفي حماس الفلسطينيين.
ويبدو ان القوة الدافعة وراء مؤتمر بوش حول الشرق الأوسط، هي في الواقع الرغبة في عزل حماس وتحطيمها سياسيا. وتلك مسألة خطرة وتستنزف الكثير من الوقت.
ان السعي الى ايجاد مداخل دولية جديدة، وانفتاح، حول العراق هو التحدي الأكثر الحاحا بالنسبة لوقت بوش وامكانياته المحدودة.
* خدمة كتاب «واشنطن بوست»