قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعيين 28 عضوا بالبرلمان المصري الجديد، وذلك وفقاً للدستور الذي يمنحه الحق في تعيين ما لا يزيد عن 5% من عدد أعضاء البرلمان المنتخبين. وبغض النظر عن نوعية المعينين التي تتصف بالتواضع الشديد في الإمكانيات وغياب أي علاقة لهم بالعمل السياسي، وعدم معرفتنا بأغلب هذه الأسماء ما يدل أن السلطة لم تجد من يقبل التعيين إلا هؤلاء المغمورين، فإن أكثر ما لفت نظري واستغرابي في المعينين هم الشيخ أسامة الأزهري مستشار الرئيس السيسي للشؤون الدينية.
هذا الشيخ الذي يمثل معجزة بكل المقاييس منذ تولى السيسي السلطة منذ حوالي عام ونصف. فلأول مرة في تاريخ مصر حسب علمي يصبح للرئيس مستشار ديني، فلماذا يعين الرئيس مستشار ديني وعندنا شيخ للأزهر يمثل أعلى سلطة دينية في البلاد ومعه وزير للأوقاف ومفتي؟ وهو العرف الذي درج عليه حكام مصر باللجوء لشيخ الأزهر والمفتى فيما يتعلق بالأمور الدينية دون الحاجة لمستشار ديني خاص.
ثم ها هو يعين بمجلس النواب، وكأن السيسي يرسل لنا برسالة أنه مع خلط الدين بالسياسة بشرط أن يكون هو من يقوم بذلك وليس الإخوان أو السلفيين أو داعش. فوظيفة البرلمان هي تشريع القوانين والرقابة على السلطة التنفيذية، أي الرئيس والوزارة. فما هو دور سيدنا الشيخ في البرلمان؟
لا أرى له دور بحكم وظيفته وتخصصه سوى الرقابة على التشريعات الصادرة من البرلمان للتأكد أنها متوافقة مع التفسيرات الدينية التي يتبناها الأزهر ورجال الدين المسلمين السُنة، في تطبيق عملي لفكر الإسلام السياسي الذي وعدنا السيسي انه سيختفي في عهده فإذا به يطبق أفكاره، وكأن المشكلة في من يطبق هذا الفكر الأصولي وليس في الفكر نفسه.
فماذا يعرف أسامة الأزهري في السياسة والاقتصاد والفن والثقافة والطب والهندسة إلى أخر قائمة التخصصات؟ لا شيء بالطبع فهو رجل دين لا يعرف سوى الحلال والحرام، وبالتالي فإن تقييمه لأي تشريع سيكون من هذا الباب، قانون حلال وقانون حرام، وليس قانون عادل وقانون ظالم، أو قانون نافع لمصر وقانون ضار بمصر، وبالطبع لابد أن يكون لفتواه الأثر الأقوى في برلمان يضم نخبة من الجهلاء ومخبرين الأجهزة الأمنية، فرفض رأى الشيخ في القانون يعني الكفر والردة وازدراء الدين.
هذا بخلاف وظيفته كمستشار لرئيس الجمهورية ما يعني أن رأيه من رأى رئيس الدولة، وهو ما سيمنحه قوة اكبر داخل برلمان لا يرى في نفسه رقيب على الرئيس ولكن تابع ومؤيد ومصفق للرئيس، وبالتالي عليه أن يتبع فتاوى سيدنا الشيخ المستشار. ثم كيف سيراقب مستشار الرئيس عمل الرئيس؟
قد يقول قائل أن الشيخ أسامة الأزهري مواطن مصري ومن حقه التعيين في مجلس النواب. فإذا كان الأمر أمر مواطنة وليس أمر سلطة دينية، فلماذا لم يتم تعيين أحد رجال الدين المسيحيين؟ أو أحد رجال الدين الشيعة؟
إذا أردنا دولة ديمقراطية حديثة فلا بديل عن إبعاد رجال الدين عن السياسة مثلهم مثل ظباط القوات المسلحة والشرطة ورجال القضاء، وعلى من يلتحق بأحد هذه الوظائف أن يعلم أنه قد اختار بمحض إرادته اعتزال العمل السياسي.