أثناء عملى بسلطنة عمان عايشت أطباء من مختلف الجنسيات بينهم عراقيون من مختلف الديانات والإثنيات كان منهم صابئة وإيزيديون وشبك الذين عرفوا بحسن السمعة والجدية والعلاقات الوثيقة مع العمانيين، وتحظى سلطنة عمان بقدر عال من التسامح والتعايش مع الآخرين ما يعكس نسيج المجتمع العمانى ذاته حيث تتعايش المذاهب الإسلامية من سنة وشيعة واباضية جنبا الى جنب ويستوعب كذلك المنتسبون الى البهائية من العمانيين دون حساسيات كأحد مكونات المجتمع ويوجد لهم محفل بهائى بالعاصمة “مسقط” ويتم تسجيلهم فى المستندات الرسمية والهويات فى خانة الديانة أنهم بهائيون، وكان من ضمن الأطباء العراقيين طبيبة أزيدية “على درجة من الجمال” لم ألتق بها كثيرا وإن كانت قد فتحت شهيتى للبحث بشكل أعمق بالأزيدية وباقى الأديان والمذاهب التى تتواجد معا على أرض العراق منذ الآف السنين.
يوجد خلط شائع لدى البعض بين الأزيدية والزيدية، والأخير هو أحد المذاهب الشيعية الأكثر إنتشارا باليمن ومنهم الحوثيون أو “أنصار الله” ويعدون أقرب مذاهب الشيعة الى المذهب السنى ويسميهم الباحثون بسنة الشيعة، ولكن الأزيدية كالبهائية تعتبر دينا مستقلا بتعاليمه وطقوسه وعباداته وإن كان يتقاطع مع الإسلام فى نقاط كثيرة، وينتمى الأزيديون الى الفضاء الكردى بشكل عام “كمعظم الأقليات الدينية بالعراق” ويتأثرون بشدة بالثقافة العربية والسريانية والتركمانية الذين يتجاورون معا، وبينما يعتقد الأزيديون أن ديانتهم ترجع الى عهد آدم فإن كثير من الباحثين يردون اصولها الى الديانة البابلية القديمة فى بلاد ما بين النهرين بينما يرى آخرون أنها خليط من ديانات قديمة كالمانوية والزردشتية والغنوصية ويقع مركزهم الدينى فى “وادى لاش” المقدس بالنسبة لهم بشمال العراق حيث أنه إتجاه قبلتهم وبه ضريح شيخهم “عدى بن مسافر”.
الديانة الأزيدية غير تبشيرية كاليهودية وهم موحدون يرنون الى الشمس فى صلواتهم ويؤمنون بتناسخ الأرواح ويقدسون بئر زمزم ويصومون 40 يوما فى السنة إبتداءا من شهر يناير ويصلون خمس مرات فى اليوم هى صلاة الفجر والشروق والظهر والعصر والغروب بينما يعتبرون أن صلاة الظهر هى أقدس الصلوات ومركزهم الأساسى بالعراق هو جبل سنجار وبعشيقة، ويدعى الأزيديين أنهم تعرضوا لأكثر من 70 حملة إبادة طوال تاريخهم قبل محنتهم الأخيرة من داعش وقد أدت تلك المجازر الى آثار نفسية عميقة عليهم دفعتهم الى التقوقع والإنزواء عن العالم وسكنى الجبال بسبب خوفهم من الأعداء وعزوفهم عن الإختلاط بالغرباء، وبلغت وحشية داعش معهم مبلغا أليما حيث تم ذبح معظم رجالهم بعد إحتلال مناطقهم وسبى فتياتهم ونسائهم وأطفالهم وتدمير بيوتهم، تم ذلك بدون إستتابهم أو السماح لهم بالرحيل، ولجا الكثير منهم الى قمة جبل سنجار هربا وأرسلوا رسائل إستغاثة حتى قام التحالف الدولى بإسقاط معونات غذائية لهم بالطائرات وتم قصف الدواعش من الجو لإيقافهم عن الصعود إليهم حتى تمكنت البشمرجة الكردية من تحرير المنطقة بمساعدة الجيش العراقى. يازيدي
يوجد خلط حول تقديس الأزيديين لإبليس حيث يرّوج أعدائهم أنهم يعبدونه من دون الله بينما فى كتبهم المقدسة يعتبرون إبليس غير خاطئ فى رفضه السجود لآدم ويبررون ذلك بأن لا سجود لغيرلله، وأن الله عندما أمر الملائكة بالسجود لآدم إنما كان ذلك إختبارا لهم، وفى الميثالوجيا الأزيدية أن الله خلق من نوره سبع ملائكة عظام أولهم الملك الطاووس عزرائيل والآخرين هم ميكائيل وإسرافيل ونورائيل وشمنائيل وغيرهم، وقد إعتبرهم خصومهم أنهم من عبدة الشيطان بينما يعتبرون أن ذلك إهانة لمقدساتهم وأن الشر فى الإنسان نابع من ذاته وليس من وسوسة الشيطان ولا يعتقدون بوجود الأبالسة والعفاريت والأرواح الشريرة ويعتقدون أن الله موجود فى كل مخلوقاته من إنسان وحيوان ونبات وجماد وأنهم جميعا أجزاء من روح الله وعلى رأسها جميعا يأتى القمر والشمس والنور ويؤمنون بخلود الروح وإنتقالها بعد الموت من جسد لآخر.
طفا الى السطح الوضع الفسيفسائى للمجتمع العراقى بعد إسقاط نظام صدام حسين وسيطرة حزب البعث وبدأت الأقليات الدينية والإثنية تبحث عن دور لها بالعراق ومن بينها الطائفة الأزيدية بمكونها الدينى والتى يرأسها أمير يعتبرنه ظل (طاووس ملك) على الأرض وينقسمون الى ثلاث طبقات أعلاها هى طبقة الشيخ وتمثل شيوخهم وهى الأكثر تبجيلا يليها طبقة البير ثم طبقة المريد الذين يمثلون غالبية الأزيديين، وقد تم تمثيل الأزيديين فى البرلمان العراقى بعد سقوط صدام، لكن ذلك ساعد فى إستهافهم كغيرهم من الأقليات بعمليات القتل والإرهاب خاصة من الجماعات السنية المتشددة كالقاعدة وداعش وعرضهم للكثير من حملات الإبادة.
جاءت زيارة الناشطة الأزيدية ” نادية مراد” الى مصر فى إطار الحملة الدولية التى يتبناها المجتمع الدولى ضد الإرهاب وتأييد حماية الأقليات الدينية بوصفها أحد رموز الصمود ضد داعش، وإعتبار نادية مراد مثلا لوحشية داعش بعد إعتقالها منهم وإغتصابها، وجاء إستقبال الرئيس لها كموقف دعائى يظهر موقف مصر من الإرهاب وفرصة للحديث عن أن الإسلام يستوعب الجميع ” مع أن الصحيح هو أن العلمانية هى التى تستوعب جميع الأديان والمذاهب والأقليات”، وفى نفس الإطار جاء الإحتفال بها فى جامعة القاهرة وإعلان رئيس الجامعة “جابر جاد نصار” أن الجامعة ستقوم بترجمة كلمتها الى جميع اللغات الحية ونشرها على أوسع نطاق، لكن طلبها لقاء شيخ الأزهر سيضع الأزهر أمام موقف شديد الإحراج بوصفه ينتمى الى المذهب الأشعرى الماتوردى المغلق والذى لم يستطع حتى الآن تكفير داعش بوصفهم من أهل القبلة “حسب رأيه” بينما يكفّر الشيعة مثلا، حيث سيعتبر خصوم الأزهر أن مجرد اللقاء هو إعتراف بالدين الأزيدى الكافر، لا أعرف حقيقة كيف سيتصرف شيخ الأزهر مع هذا الموقف.