في عيد ميلاد السيد المسيح أُقدم التهنئة الخالصة لكل أتباعه ومُحبيه ولكل مؤمن به وبرسالته وبنبوته ، ولهم وللعالمين جميعا أقول كما ورد في الترنيمة المباركة : - المجد لله في الأعالي وفي الأرض السلام - ، تلك الترنيمة التي تبعث فينا على روح الحياة وتدلنا على روح التسامح والمحبة ، لهم وللعالم أجمع في السلام والمحبة دُعائنا يتجدد : على أمل أن يتحقق وعد الله في نبواته ورسالته في بناء المجتمع الصالح الغير مُدنس والغير ذي عوج ، وذلك الوعد أُمنية يعيشها الصادقون بروحهم ووجدانهم من أجل نشر العدل والحرية والسلام في أرجاء الدنيا ، وهي نفسها الرسالة التي يُبشر بها الليبراليون الديمقراطيون ويعملون لكي لا تظل مجرد أُمنية وحسب بل واقع يعيشه الناس في حياتهم كل يوم ، وهذا يتطلب فيما يتطلب دفع الظلم المتراكم السياسات الحمقاء وهذا الإصرار على الخطيئة من جميع المتنابزين والمشتغلين في حقلي الدين والسياسة ، وبلادنا قد كشفت عن هذه الخطايا والمظالم التي تروج بأسم الله والشرع وتطبيق الحدود .
إن روح المحبة والتسامح والعيش بكرامة في ظل الإختلاف موجود في كل الديانات وفي نسختها الأولى وقبل التزوير والتحريف ، ولكنها مع سطوة رجال الدين المتخلفين والفاسدين مثيري الفتن بين أبناء الوطن الواحد تنحرف هذه القيم وتذبل وتزوي ، ومن هذه القضايا المتلازمة في الصحف الأولى الدعوة ليكون العقل هو المُفسر والشارح والدال على قضيتي - الصواب والخطأ - ، فمثلاً حين تتحدث النسخ الأولى عن خطأ - الثنائية - في صفة - الإله - ، نرآه لا يُمانع من أن يكون غير ذلك من الصفات والأسماء تحتمل الثنائية وتزيد بحسب المتعلق وبحسب الإستخدام ، فالرب في العقل وفي الصحف الأولى مجزء كذلك الرحمن مجزء وكل الصفات والأسماء اللاحقة فيما ماعدى الإله مجزئة ، ذلك لأن المتعلق فيها يكون بنوعين وأكثر حسب الإستخدام ، فالرب يكون المعلم ويكون المربي ولكن الله لا يكون إلاَّ واحداً في كل حال وذلك لكي يكون مفهوماً ومعقولاً وفاعلاً ، وهذه الإشكالية المعرفية أتينا بها في مناسبة الميلاد المجيد لنُمارس دور التثوير العقلي فيما يخص وحدة الدين التي نؤمن بها ، والأمر يتعلق بإرادة المعرفة وليس بالتقليد الذي تمارسه المدراس العتيقة على كثرتها .
ودعونا ننصرف في ظل المحبة وفي ظل العيد لإعادة تشكيل الوعي وإعادة تفعيل الإرادة حتى تكون قادرة بالفعل للتنبُه أين يقع الصواب وأين يقع الخطأ ، وترون إننا لم نستخدم لفظ الحق والباطل هنا ، وذلك لأن المجال تداولي بإمتياز ويُراد منه الشرح والتدليل الجدلي الذي لا حاجة فيه لمواقف عقدية طاردة ، وهو كما ترون جر لإصحاب العقول لُيخففوا من لغة التناصح الفوقي و التي يظن بها الغير تخطئة وليست حواراً ، وقد أدى ذلك في الماضي إلى ويلات ويؤدي اليوم إلى كوارث ، ذلك لأن مظنة - لا إكراه في الدين - من الصيغ الدالة على التوقف في ممارسة دور الصواب من جهة واحدة كما يروج لذلك رجال دين من فئة أهل المنابر ، مع إن العبارة تحتمل الإرشاد والتقرير كما هي في لغة العرب وعند الدارسين والباحثين من المفسرين ، أعني إنها تعمم مقولات الحرية وتنتزع كل أشكال التطرف والظن الخاطئ بصوابية ماعندنا وخطأ ما عندهم ، ومن هنا أجد شؤوم دعوة بعض السلفيين ومحاربتهم للإحتفال بيوم الميلاد المجيد ، وأجد إن ذلك هو من أودى بنا في مهاوي هذه التيارات والدعوات الفاسدة الإرهابية المتطرفة ، وأجدني أقول : إن الأحتفال بيوم الميلاد المجيد هو جزء من ثقافة أمة يجب أن يدوم ويستمر ويزداد وفي ذلك ردع لدُعاة الإكراه من الإرهابيين والمتطرفين ومن يروج لهم أو يستمع لهم ،
وكل عام والعالم بخير ، وللمسيح سلام ومُباركة وترنيم .