حينما نتحدث عن الإرهاب فإنما نُشير إلى معناه الفعلي في المفهوم الحركي ، وسوف لا نبتعد هنا كثيراً عندما نقول : إن الإرهاب الجديد مرتبط أسماً ومسمى بالتنظيمات الإسلامية ، فهي من تتبناه وتحدد له مفهومه المتداول اليوم ، وأعني بذلك معناه المُمارس ولسنا هنا بُمدعين بل واصفين واقع حال ، وعلينا جميعاً تقع المسؤولية في أن نُسمي الأشياء بمسمياته من غير تأويل أو تحوير ، ذلك لأن القضية تتعلق بهذه الفضائع التي يقوم بها مسلمون ضد الإنسانية تحت بند الدعوة إلى الله والإسلام ، ومادمنا نتحدث عن ذلك ، فلابأس أن نشير إلى هذا الفكر الذي أنتج لنا هذا اللون من الإسلام العنيف والمتطرف ، أعني بذلك تلك المدارس التي تغذي هذا النوع من الإسلام المقيت ، ولا نغالي عندما نقول : إن التاريخ الإسلامي مليءٌ بهذا الإسلام الفض .
فمنذ - حروب دافعي الضرائب - والتي تُسمى تجوزاً - حروب الردة - ، مروراً بعصر النكسة في عهد عثمان وتراخيه البيّن في تطبيق النظم والقوانين وسطوة عشيرتة على مقاليد السلطة ، إلى مقتل الإمام علي في محرابه ضمن المؤامرة المعروفة ، وإستشهاد الإمام الحسن ثم مجزرة وقعة كربلاء ، ثم توالياً بحكم بني أمية العصبوي وحكم بني العباس بما فيه من غطرسة وغرور ، إلى التردي مع حكم المماليك والولاة والعثمانيين سلاطين السوء ، وإلى يومنا هذا في منظمات التخلف الأخواني ومنظمات القتل من القاعدة والدواعش وأخواتهن النكرات ، يغص تاريخنا الإسلامي بهذا العنف وهذا القتل والإرهاب ، ومن يدعي غير ذلك فهو واهم أو حالم أو قليل خبرة وقراءة .
وأن يتحالف ذوي الشأن من قادة بعض الدول ضد الإرهاب ، أمرمرغوب في ذاته لكنه لا يدل على حُسن نوايا ، طالما إن هناك من بينه من يمد اليد فيه للإرهابيين في سوريا والعراق ، وطالما هناك من مدارس تنفث السُم في عقول الشباب وتُغذيهم كراهية وبغضاً .
نعم إن من يُريد محاربة الإرهاب عليه أولاً تجديد الخطاب الإسلامي ليكون معاصراً ومبتعداً عن الزوايا والأقبية أو الدوران في فلك الفعل ورده ، فالإرهاب ليس كلمة وحسب ، بل هو مجموعة عناصر مترابطة ومتكاملة بعضها مع البعض الأخر ، ولكي نقضي عليه يلزمنا تفتييت تلك العناصر من خلال مايلي : ،
1 - فمحاربة الإرهاب يلزمها محاربة الفكر الذي يُنتجه ، إن كان تاريخي أو معاصر ، وهذا يتطلب تعطيل المدارس التي تغذي هذه النزعة وتغذي الكراهية والحقد ، ومحاولة إكراه الناس على إتخاذ فكر واحد ودين واحد ورأي واحد .
2 - وحتى يكون لمحاربة الإرهاب مفهوم ومعنى ، يجب تجفيف منابعه ومصادره ومحاسبة من يمده بالوجود والدوام ، وهؤلاء الممولين معروفين للجميع ، وفي ذلك لا تجب المخاتلة ولا الخداع أو التظاهر بحُسن النوايا ، فثمة أخطار على الواقع وعلى المستقبل ، وفي ذلك لا تُقبل القسمة .
3 - كما لا يجب إعتماد رأي الغير فيما يخص مستقبل الشرق ، وهنا تجب المُصارحة في تبني الخيار العلماني للدول المتحالفة ضد الإرهاب الإسلامي ، وفي ذلك ترطيب للأجواء وفك لعُقدة التنافر الحاصل بين الطوائف .
ونحن لا نمانع ان يكون المسلمين متحالفين فيما بينهم لعمل الخير ، بل إننا معهم في التعاون لما ينفع الشعوب ويحقق لهم السعادة والرخاء ، ولكننا نُمانع حين يكون ذلك الفعل إستجابة وقتية أو نتيجة لضغوط خارجية ورغبات ، والحال نحن أحوج ما يكون لوقف نزيف الدم بين أبناء الوطن الواحد ، وإذا إستطالت شرارة الإرهاب فلأننا سمحنا له في أوطاننا أن يأكل الأخضر واليابس ، ثم أنتظرنا لكي نندب الحظ العاثر ، ولكي يكون التحالف منطقياً ومقبولاً ومؤيداً من قبلنا ، لا بد أن تُدعى إليه إيران والعراق وسوريا ولبنان فهم أقطاب لا يصح العمل من دونهم حتى لو أجتمعت الدنيا على عداوتهم ، وذلك لأنهم يعيشونه منذ زمن طويل ، وأقولها بصراحة : إن حل المشكلات مع بعضنا البعض كفيل بمحاربة الإرهاب والقضاء عليه ، أما التخبي وراء الطعون والتقاذف بالطوب والحجر بالفعل ، والكلام عن محاربة الإرهاب في الإعلام ، فهو تغييب ومد للعنف والتباغض ، وهذا ما نخافه من دعوات لم تدرس بشكل موضوعي تام ، ويبقى التحالف من حيث هو مطلوباً لذاته في ذاته ، إذا كان نابعاً عن قناعة يشترك فيها الجميع ، وإرادة لا تُقسم بين البلاد والطوائف والأماكن ، وحينها سنكون معه بكل تأكيد وسنخص دولنا وشعوبنا
بأن تندفع معه وإليه في هذا الإتجاه ..