يرفض الإسلام السياسي الحداثة الغربية لأنها تؤمن بمركزية الإنسان وترفض سلطة المقدس عليه..
وهو كعادة الخطاب السلفي كلام عام مطاطي الهدف منه إرهاب الناس وجعلهم يهربون من أي طريق يؤدي إلى النهضة والتطور، فكيف لمؤمن أو مؤمنة أن يرفض سلطة النص المقدس؟ ولأننا لم نتعلم التفكير العلمي والنظر النقدي نتقبل هذا الكلام دون مراجعة أو نقاش، فنلعن الحداثة الغربية ونقرر البقاء في القرون الوسطى حفاظا على ديننا ومقدسنا.
فلا أحد يسأل من يمثل سلطة المقدس؟ فبعد وفاة النبي وانتهاء عصر النبوات من الذي يستطيع القول أنه يمثل المقدس على الأرض؟
فالنص المقدس بطبيعته فضفاض، ما يجعله حمال أوجه ويجعله قابل للتفسير والتأويل بحسب ظروف الزمان والمكان واختلف ثقافة وبيئة وتجارب وعقلية المفسر أو المُأول، وبذلك يصبح للمقدس أكثر من ممثل وأكثر من لسان، فمن منهم يمثل المقدس في الحقيقة فيصبح صاحب سلطة المقدس؟
كما أن قيام البشر بتفسير وتأويل المقدس يجعلنا أمام نصين النص المقدس ذاته وكتابات أو أقوال الإنسان الذي فسر وأول النص، فهل في هذه الحالة سيتم إلحاق القداسة بالمنتج البشري الذي يفسر النص ويؤوله؟ وبالتالي نقع هنا في عملية تقديس للناتج البشري وتقديس للإنسان الذي أنتجه فتحصل القداسة للبشر وهو ما يخلف الإسلام الذي يرفض منح القداسة لغير الأنبياء.
كما أن منح القداسة للمفسرين والمؤولين سيفتح الباب أمام الاستبداد ليس فقط السياسي ولكن أيضا العلمي والفكري والثقافي والاجتماعي. فصاحب القداسة يجب أن يكون له كلمة في كل بحث علمي وكل إنتاج ثقافي من أجل التأكد انه لم يخرج على سلطة الوحي المقدس. ولذلك فسلطة المقدس ما هي إلا أحد وسائل الإسلام السياسي لترهيب الناس من القبول الحداثة لأنه في الحقيقة لا توجد سلطة مقدس ولكن سلطة المتحدثين باسم المقدس.
قد يعارض بعض مدعي الثقافة من الإسلاميين بالقول أن القانون والدستور في الدول العلمانية له ممثلين يتحدثون باسمه مثل المحكمة الدستورية العليا ولكنكم لا تعترضون على ذلك بل تحترمون قراراتهم وتعتبرونها ملزمة.
الحقيقة هذا الرد يدلل أكثر على جهل الإسلاميين وغياب أي منهجية معرفية. فكيف يمكن قياس الدستور والقانون الغير مقدسين والذي يمكن للشعب التعديل بالإضافة والحذف أو حتى إلغاء تماما واستبدالهم بغيرهم، بل يستطيع الشعب الثورة على هذه النصوص القانونية والدستورية وتمزيقها وحرقها إذا وجدت أنها قوانين ظالمة وتعيق تقدم الأمة مهما كانت تفسيراتها وتأوليتها القانونية أو السياسية..
وهذا ما يجعل المقارنة بين سلطة النص المقدس وسلطة النص القانوني أو الدستوري مقارنة غير علمية حيث أنها مقارنة بين غير متماثلين، فمن يستطيع تمزيق وحرق النص المقدس؟
هي ليست سلطة النص المقدس ولكن سلطة المتحدثين باسم المقدس والهدف واضح خلق كهنوت إسلامي وحكم ديني إسلامي يضمن به الفقهاء السيطرة على الحكم.