لو كان عبد ربه هادي منصور رجلاً، نحن الذين نعاني من فائض في اشباه الرجال (وانصاف الآلهة)، لصرخ في وجه من احتلوا القصر: انا هنا الشرعية وانتم العصاة...
كان ظلاً ولا يزال. بل كان ظلا للظل. قيل له انت الرئيس فأصبح الرئيس، وقيل له استقل فاستقال(واصر على الاستقالة)، وقيل له اهرب فهرب، ثم قيل له عد عن الاستقالة فعاد، ولكن من البوابة الجنوبية التي للغرابة قد تجد فيها صورة ماوتسي تونغ جنبا الى جنب مع صورة اسامة بن لادن.
من البداية كان منصور الشخصية الباهتة التي زرعها علي عبد الله صالح الى جانبه، وكان الجنوبيون الداعون الى الانفصال يقولون ان مهمته ان يعاون الرئيس في ارتداء ملابسه...
الآن يقال ان من كانوا يؤمنون التغطية لعلي عبدالله صالح الذي فتح ابواب صنعاء امام حملة الخناجر لارساء توازنات معينة، وبمال عابر للحدود، عادوا الى الاتصال ببعض اعوانه الذين قاموا بتهريب منصور بحبكة استخباراتية محكمة. لا تبحثوا عن اللحظة الشكسبيرية في هذا السيناريو بل ابحثوا عن اللحظة الماكيافيلية. من قال ان البدوي الذي يتعامل مع تلك الطبيعة الفظة لا يتقن الدهاء؟
هذه مسألة تقنية. مثلما تم تعويم الامير البدر عندما قاد عبد الله السلال انقلابه الشهير في عام 1962، يتم الان تعويم عبد ربه هادي منصور. فارق كبير في الشخصية، وفي الكاريزما. الاهم من كل هذا الفارق في الظروف، وان كان هناك من يراهن على ان يكون مصير المقاتلين الحوثيين في اليمن كما مصير الجنود المصريين حين تم شراء كل شيوخ القبائل ليقتلوهم ويقطعوا آذانهم ثم يضعونها في اكياس ليقبضوا ثمنها...
مثلما سوريا مسرح وذاهب الى المجهول، اليمن مسرح وذاهب الى المجهول. في كل مكان، العرب ذئاب العرب. من فكر يوما بأن يغدق المال على اليمنيين الذين بينهم نخب مميزة من اجل تخليصهم من ثقافة القات بل من ثقافة الفقر المدقع، وهم احفاد ملكة سبأ ومن بنوا سد مأرب. ايضا احفاد من وصلوا الى الساحل الافريقي واقاموا ممالكهم او مستوطناتهم هناك...
لا احد. الكل في المحيط كانوا خائفين من ان يتحول اهل اليمن الى خناجر بشرية في الظهر او في الصدر. اموال هائلة انفقت داخل المستودعات. كما سبق وكتبنا بين غواية القات وغواية الخنجر. لم تكن الشخصية اليمنية وعرة مثل الطبيعة هناك. جبال واودية وتتناثر على نحو ميتولوجي. اليمني اذا وضع في المكان(او الزمان) الصحيح لمّاح، ويمكن ان يتفاعل مع جدلية الحداثة..
في منزله يمكن ان تجد كتاب «الاغاني» لابي فرج الاصفهاني على رف واحد مع كتاب غبرييال غارسيا ماركيز «مائة عام من العزلة» او«خريف البطريرك». هذا في المدن التي عرفت طوفاناً من ائمة المساجد الذين كانوا يتقاضون رواتبهم من الخارج والذين كانوا ينشرون ذلك الوباء الايديولوجي الذي لا يستشري في المنطقة بالصدفة او بالسياق التاريخي (والثقافي) المتعثر، وانما من خلال عملية استخباراتية كبرى لم تدرك، في اي يوم، ان الوباء اياه الذي انتج اسامة بن لادن، والعائلة اساسا من حضرموت، لا بد ان يحطم الاصابع التي اتت به..
اذاً، انه الصراع السعودي-الايراني في اليمن. حين ازيح علي عبد الله صالح، وكان بشكل او بآخر، نسخة عن معمر القذافي، لم يترك وراءه سوى الخواء. الايرانيون الذين يتقنون حياكة السجاد يتقنون حياكة الرجال(والسيناريوات). بدا الحوثيون وكأنهم يتحركون في فراغ. الدولة كانت على شاكلة عبد ربه هادي منصور. لا دولة ولا رجل دولة. جيش مبعثر وقبائل مبعثرة، واقتصاد يحاكي الاقتصاد الذي في الجارة العزيزة الصومال..
لا بل ان هناك دولا كثيرة بدأت تلعب فوق تلك الخشبة المعقدة والممزقة. من صنعاء تتناهى الينا هذه الصرخة: ذاهبون الى الصومال...
ثمة تصدع بنيوي في اليمن. لا افق لما يحدث. الحوثيون في مقدمة المشهد. هل من استدرجهم الى هناك ليقعوا بين اسنان القبائل(وضباط علي عبد الله صالح المعروضين للبيع على ارصفة القات)، فضلا عن اجهزة الاستخبارات التي عادت لتعمل بكامل طاقتها، فاليمن يفترض ان يبقى تائها على قارعة القرن. ماذا يستطيع الحفاة ان يفعلوا اكثر مما فعله الحفاة في القرن الافريقي؟ انها القاعدة تمخر هذا العباب. اظلافها ظاهرة للعيان..
وقائع كثيرة على الارض، وتحت الارض، تشي بتداعيات دراماتيكية على المحيط. شظايا سريالية وتتناثر في كل الاتجاهات. مثل سوريا. الحرائق لا تبقى داخل الثلاجة...