قرئت واستمعت لبيان العهد الدولي بشأن العراق , وقد كان والحق يقال في مستوى الطموح من حيث الصياغة ومن حيث البيان ,وقد أغرتني تلك الفقرة المتعلقة بقضية المواطنة بأعتبار هذه الفقرة هي الشرط الموضوعي اللازم للتعريف بالهوية العراقية( الصفة والموضوع ) ,وكذا الفقرت التالية من بنود العهد الجديد التي استوعبت مساحة الشأن العراقي من وجهة نظر دولية , إستيعاب في كل تداعيات الصراع الدائر ومبرراته , ويمكن القول بأن هذا العهد هو بمثابة القواعد القانونية التي تجعل من المجتمع الدولي قادر بالفعل على التفاعل مع قضية العراق سواء في مجال البناء والإعمار أو في مجال التخفيف من معانات العراقيين اليومية , هذا العهد كما أظن يشكل الركن العملي القادر والذي تتم بموجبه التصدي للمشكلات , التي تفتك بالجسد العراقي وبالهوية العراقية , أذن فهو وثيقة هامة من حيث قرائتها الأولية.
وهي هامة إذا أو حيثما روعي العمل بمقتضاها ولكن للعمل بها شروط فعلية وأليات لا تنفك عن بعضها البعض ,وبعبارة أدق هذا العهد هو وثيقة أو هو ميثاق جامد , يلزمه تحريك بالفعل وصفة الفعل هنا ليس صفة فلسفية أو منطقية كلامية بل هو صفة إجرائية , إقضائية من لوازمها ما يلي :
إولاً : قبل الحكم على هذا العهد بالسلب أو الإيجاب يجب التعريف بالعهد العراقي الذي هو صاحب الشأن في كل هذا , والعهد العراقي موضوعياً ساحته وفضائه الشعب والدولة العراقية , و نعني بالدولة هنا : ليس الحكومة بل هي الجغرافيا السياسية العراقية حسب التعريف الدولي الحالي لها ,
وبما أن الشعب هو مادة العهد فيجب تحرير مفهوم المواطنة وتعريفه بشكل دقيق , فالمواطن الأن هو ذاك الأنسان المقهور الذي دفع ليعبر عن طائفة ما أو قبيلة ما , وهذا الحصر في التعريف هو أدب الخطاب السياسي العراقي المعاصر الذي مسخ عن عمد مفهوم المواطنة في ذهنه وعقله , وهو نفس الشئ أي نفس الخطاب الذي كرس الحرب الدائرة اليوم وجعلها بمثابة التعبير عن الحالة العراقية ككل ,
ولكي يتم التلاقح بين العهدين يلزم نبذ التوجه القبلي والعشائري والمذهبي الطائفي , الذي يشكل حال العراق اليوم والذي صنعته الأحزاب والقوى المتخلفة , والنبذ هنا هو الخطوة الأجرائية الأولى التي بموجبها يحق للعراقي أن يتحدث عن مشروعه في المصالحة والسلم الأهلي ,
وعندما نقول إنه الخطوة الأولى فهذا يعني لنا موضوعياً البحث عن أوجه عملية لتأسيس مجتمع مدني الذي هو النواة الرئيسية لتحقيق المصالحة بالفعل .
وثانياً : ولكي نحرر النص الدولي أي تفعيل هذا العهد يجب النظر إليه بعين الرعاية والأهتمام والنظر للأليات الواجبة في حركة التفعيل المفترضة , وبما أن الأليات بيد الحكومة العراقية الحالية فهذا الشئ يعقد الأمر ولايساهم في عملية البناء والترميم لأن الحكومة الحالية هي جزء من المشكلة وليست جزء من الحل وهذا ما يجب التنبه إليه وتنبيه المجتمع الدولي إلى هذا كي لايتم الخلط وكذا من أجل تجنب الأخطاء,
أما كيف يكون ذلك فالأمر معلوم حيث إن هذه الحكومة هي حكومة المحاصصة الطائفية وهي نتاج من نتاجاتها ولا أظن إنها ستتخلى عما هي عليه من سلطة وسلطان من أجل هذا النداء أو هذا العهد أو من أجل خلق مناخ صالح بعيد عن الطائفية , لأنها بذلك تفقد سر وجودها ولأنها هي في الأساس تفتقد للأرادة السياسية والأخلاقية التي تمكنها من القيام بعمل كبير ناهيك عن كونها هي ذاتها تدور في فلك الصراع المحلي لجهة على حساب أخرى , إذن ولكي يكون للعهد أثره يجب إستقالة هذه الحكومة في شكلها الحالي وكذا إلغاء العمل وفق نظام المحاصصة الذي معه لن يكون أمل بحل مستقبلي يخفف من معانات أهل العراق كل يوم .
وثالثاً : الشرط الموضوعي لنجاح هذا العهد بالفعل هو الموقف الحازم للدول التي رعت هذا العهد وقامت بصياغته من خلال إعتماد إليات عمل غربيه وليست عربية أو أسلامية ليكون مجال الضبط والربط فيها موافقاً للنظم الديمقراطية والشفافية والشعور بالمسؤولية , ولا أظن أن المجتمعات الغربية ترضى دوام حال التقسيم الوزاري على نظام المحاصصة وبشروط مصطنعة كالوزارات السيادية ذلك المصطلح الغريب الذي يحمل بداخله التقليل من دور وشأن الوزارات الأخرى وكأن تلك الوزارات هي حق شخصي مكتسب . والباقية توزع على قليلي الحيلة ,
هو مبدأ غريب ومبتكر في عراق الطوائف والملل :
نعم من خلال تجربتي المتواضعة إجزم بأن النوايا الحسنة التي سعت لكتابة هذا العهد لم تتكفل بمتابعته ولم تتعهد بحمايته تاركة الأمر للعراقيين وهم على هذه الحال ,صحيح هذا ما يجب قوله ولكن ذلك يلزمه الرشد في السياسي وفي الكلامي وهذا بالفعل بعيد عن دوائر الفعل السياسي العراقي , ثم إن تفعيل ذلك قائم على الأرادة وليس على النيات وعلى الحزم في التعامل مع شكل وطبيعة الأليات , إذ من غير شراكة دولية فاعلة لن يكون لهذا أثر بالفعل وسيكون هذا المؤتمر في هذا سوى تكرار للفشل يتبعه هيمنة للقوى الأرهابية التي وجدت ضالتها في هذا العراق الغريب ...
على المجتمع الدولي تقع المسؤولية الأن في ترتيب وتنظيم البيت العراقي من جديد ولن يتم ذلك من دون خطوات جسورة تعلن عن نفسها بشجاعة .
وكما قلنا فالعهد الجديد ليس كسابقاته ولأنه كذلك فيلزم الحرص على إنجازه وفق ألية عمل جديدة تخرج الحكومة منها لكي تكون الأقوال مقرونة بالأفعال !!!