لم يحدث في التاريخ العربي الحديث ثورة شعبية خالصة كالتي نشاهدها اليوم في مصر وتونس ، كما لم نسمع بذلك من قبل ،
وكل الذي حدث والذي عشناه وقرأنا عنه كان عبارة عن إنقلابات عسكرية وإحتلالات أجنبية جرت علينا وعلى العرب الشؤوم و الفساد والإستبداد .
لكن شعب مصر اليوم يثور من أجل حاضر أبناءه ومستقبلهم ، هو يثور على الفساد السياسي والإقتصادي والثقافي والإدراي والأمني ، ذلك الفساد الذي أورثه الذل والهوان وقلة الحيلة وفقدان الشعور بالأمن والحياة ، وكلنا يعلم إن هذا الفساد خلق مجتمعاً مفتتاً مسلوب الإرادة والضمير ، مجتمعاً فقيراً مريضاً متخلفاً في كل شأن من شؤون الحياة ، فإنقلابات العسكر والجيش أورثت الشعب العربي الحرمان والفاقة والعوز ، وإنتهكت فيه الكرامة وصيرته عبداً ومملوكاً لحفنة من القتلة و المجرمين .
شعب مصر ثار إذن ليخرج من هذا السقوط وهذا الإنحدار التاريخي والقيمي ، ثار ليُعيد لنفسه الكرامة ويسترجع مابقي له من هويه ، ثار ليكون سيد نفسه يختار ويمارس دوره في الحياة بشكل فاعل ، ولأنه كذلك فنحن معه من غير تردد ونحن معه وهو يقف في الساحات يُعرف بنفسه ويُعلن عن هويته ويحدد مستقبله ، نحن معه نفتخر به ونعتز من غير حدود ، لأننا نرى في ثورته ثورتنا وفي إنتفاضتها إنتفاضتنا ، وفي شجاعته شجاعتنا وفي صبره وصموده صبرنا وصمودنا ، وفي ذلك نشعر وكأن العرب قد دخلوا التاريخ من جديد بعدما طُردوا منه ، وفي ذلك يحق لكل مصري وعربي ومسلم أن يفتخر بان ثورته من نمط تلك الثورات الكبيرة التي حدثت في العالم وغيرت فيه ، تلك الثورات التي صنعتها الشعوب كالثورة الفرنسية والثورة البلشفية والثورة الصينية والثورة الإيرانية ، ثورات ينظر إليها بإحترام لأنها دعت للمساوات وللحرية وللعدل وللسلام ، ، وثورة الشعب المصري أعلنت عن نفسها كذلك ورفعت شعارات في الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية ، ولهذا فهي ثورة كبيرة ستغير قواعد اللعبة في المنطقة العربية والإسلامية ، وسيكون لها دوراً في صناعة التغيير في المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج ، تلك هي الحقيقة التي يجب النظر إليها بعين الرعاية والإهتمام ، ولهذا ونحن في موقعنا السياسي والإعلامي نشد على أيدي ثوار شعب مصر ، ونحييهم ونقول لهم : واصلوا المسير ولا تنخدعوا بالوعود وبالتسويف و بالمماطلة و بالتمييع ، وكل هذه السيئات يقوم بها النظام المتهالك وأزلامه و جوقة المتحالفين معه من المهرجين وفاقدي الضمير الملوثين أصحاب المثالب والمرتزقه ، أولئك الذين يخرجوا علينا في كل دقيقة يبشرون بالحوار مع سوءات النظام ، كما إنهم مافتئوا يحدثون الثوار عن جدوى ترك الساحة لأجهزة النظام ، هؤلاء التعساء يحاولون تحجيم أبعاد الثورة وإخراجها من مضامينها الإنسانية الرفيعة ، من خلال الضرب على مفهوم القطرية الضيق وبأن هذه الثورة هي ثورة مصرية ولا علاقة لها بمحيطها العربي والإسلامي والإنساني ، داعين في الوقت نفسه لعدم التدخل بها ، ناسين بإن هذه الثورة وفي حجمها وفيما رفعته من شعارات وأهداف ، قد تجاوزت حدود القطر المصري لتمثل كل شعوب المنطقة بكل فئاتها وقومياتها وأديانها ، إنها عندي تمثل ثورة الإنسان المحروم والمستضعف والمغلوب على أمره وعلى إرادته ، لأني كما أرآها تعبر عن ذلك كله عن الحق في الحياة والحق في العدل والحق في الحرية والحق في السلام والحق في العيش الكريم ، تعبر عن الشعب وهو يحارب الفساد وهو يحارب الإستبداد وينبذ الدكتاتورية والقمع .
فالثورة حين تكون للكرامة وللعدل والحرية والسلام تذوب فيها وعندها الحدود وتكون هي ثورة الإنسان في كل مكان وزمان ، وهكذا كان جيفارا المؤمن بالثورة من أجل العدالة والحرية يلاحق كل الثوار وكل الثورات كان معهم ، يمدهم ويقف معهم لا لكونهم كانوا يعبرون عن إرادة شعبه الخاص ، بل لأنه يؤمن بان الثورة هي ملك الإنسان الحالم بالغد السعيد ، ولهذا كان يقف مع كل ثورة في آسيا وفي أفريقيا وفي أمريكا اللاتينية .
ونحن هكذا نكون وهكذا نفعل مع ثورة الشعب المصري ، لأنها ثورة الإنسان العربي الحالم بالغد الأفضل ، ثورة الحياة على التخلف وعلى العجز ، ثورة العدل على الظلم ، ثورة الحرية على الإستبداد والقمع وكم الأفواه ، ثورة السلام على الحرب وعلى الفوضى وعلى مثيري الشغب والبلطجية .
نحن نقول : إننا لن نقف موقف المتفرج ، ولن نكون سلبيين تجاه الثورة وأهدافها ورجالها ، وندعوا الثوار أن لا ينخدعوا بكلام الضعفاء من المثبطين أعوان النظام والسلطان ، كما سنظل نُحرض الشعب على الصمود وعلى الصبر ، وندعوه ان لا يترك الساحة ولا ينخدع بالوعود الكاذبة ، فالحاكم يلفظ أنفاسه ويخاف الفضيحة ، ولذلك فهو لا يستطيع المواجهة العلنية ، هو يريد التهدئة ، يريد الإنقضاض كما هو دئبه دائماً غدار لا تأمنوا شره وكيده ، فعسسه و بلطجيته جاهزون لكل عمل قبيح ، وهو يُحدث خاصته بأنه سيملئ أرض مصر سجوناً ومعتقلات لهؤلاء المتردين .
والمضحك في الأمر إن النظام يدعي بأنه يحمي الثورة والثوار حتى مبارك صار ثورياً ، إن نظاما يقوم على الكذب والخداع والتضليل لا يستحق ان يبقى يوماً أخر ، وكفى الثلاثين التي مرت من السنيين ، كفى التخلف والتشرد للملايين التي تنام في القبور ، كفى العشوائيات التي لا تمتلك الحد الأدنى من مقومات الحياة ، إذ لا ماء فيها ولا كهرباء ولا مجاري صحية ولا لا ...
في هذه السنيين الثلاثين العجاف هبط الشعب المصري ليكون من أفقر شعوب العالم ، وأما المرفهين والمترفين فهم أعوان النظام وحاشيته ، يسرقون المال العام وينهبون قوت الغلابه والمساكين ، ومبارك هذا الرعديد يكدس المال حتى قيل إن ثروته قد تجاوزت ال60 مليار دولار ، وأما حال شعب مصر فالموت والدمار والفناء .
الفساد في مصر طال كل شيء ، وأبناء السلطان وحاشيته من جماعة الحزب الحاكم قضوا على كل شيء كل شيء ، فهل بعد هذا الدمار ننتظر الفرج والحل من هذه العصابة الفاسدة ؟ ، وهل ينفع السكوت والرضا والتهاون مع هؤلاء ؟ هل يرضى الشرفاء بذلك ؟ وهل يرضى الله بذلك ؟ ، أقول لكم لا تهنوا في مواجهة الظالم ولا تركنوا لقول المفسدين والجبناء ، وأعلموا إنكم الأعلون ، والله معكم وكل حر شريف معكم ، فالديمقراطية والحرية يتطلبان المزيد من الصبر والمزيد من النضال و الجهاد ، وأنتم من يلوذ بكم العرب عند الشدائد فلا تخيبوا الأمل ولا تقطعوا الرجاء ..