في البداية لا بد من التهنئة لكل أبناء الأمة الإسلامية ، وهي تهنئة موصولة وخاصة لأبناء شعبنا العراقي ، وأقول : إننا نستقبل العام الهجري في العادة بالبكاء والنحيب ونزيد ، وحجتنا دائماً في ذلك الجو الجنائزي هو إستشهاد الإمام الحسين – ع - .
والحق أقول إن الحزن على الحسين واجب بإعتباره قيمة إنسانية ، وما كان يمثله هذا الثائر العظيم في نهضته وفي تصديه لقوى الظلم والفساد في زمانه ، أقول : إن الحزن على الحسين شيء وهذه المظاهر الكذابة الجديدة شيء أخر ، والتفريق بين ذلك إنما هو تفريق بين ما يطلبه الحسين وما قام هو من أجله ، وبين ما نقوم به نحن من ضرب السلاسل والسكاكين و القامات وشق الجيوب ولطم الخدود .
الحسين عليه السلام لم يكن يريد منا ذلك ولم تكن ثورته كذلك ، ولو كان ذلك كذلك لفقد الحسين قيمته وبريقه ، بل كان يريد منا التأسي بالمنهج الصحيح الذي أختطه ، من خلال الدعوة لكي نعيش القيم من غير شعارات ، ونعيش الحياة من غير خداع وتضليل ، الحسين كان يطلب وهو كذلك ان تكون القيم والمثل والأخلاق هي الهدف ، وكان يريد للعدالة ان تعيش في الواقع ، وكان يريد للإصلاح ان يتحرك في ساحة العمل .
إذن فهو كان حرباً على الفساد ، وعلى الكذب ، وعلى الرشوة ، وعلى تعمد إفقار الناس ، وعلى التنعم بالخيرات من غير وجه حق ، وترك عباد الله يعيشون الضيم والفقر والفاقة ، كما إن الحزن على الحسين في صورته التي يمارسها الناس في العراق اليوم هو خلاف للشريعة وللدين ، ذلك لأن الحسين في ثورته وفي شهادته مع الخالدين في جنة النعيم ، ولكي نستذكر الحسين علينا ان نستذكر تلك القيم وتلك المبادئ التي عاش من أجلها وضحى من أجلها ، والحزن الحقيقي منا يجب ان يكون على حياتنا التي يتلاعب بها الصبيان من فئة ساسي هذا الزمان ، والحزن الحقيقي على العراق الذي فقد هويته وفقد كرامته وليس فيه من أحد يمكن ان نقول إنه يعيش بكرامة ، ناهيك عن تبدد كل الآمال وضياع ذلك الحلم الذي كان يمثل قيم الناس في العدل والحرية والسلام ، والحزن الحقيقي يجب ان يكون على المواطن العراقي الذي لم يتغير شيء في حياته وفي معاشه بل زاد الظلم وكثُر القتل وكثُر التهجير وفُقد الأمل بالعيش الكريم ، نحزن لهذا ونحزن للتسويف الذي يمارسه سياسيو العراق في النهب والسلب وتضييع الفرص والوقت .
العام الهجري وكل عاماً يأتي لا نحتفل به ولا فيه ، لأن ليس هناك ما يحتفل به بالفعل ، فالظلم هو الظلم لم يتغير ، والمحسوبيات هي نفسها ، والطمع والجشع هو هو من عهد معاوية ويزيد وإلى يومنا ، وقتلة الحسين هم قتلته اليوم ، فحرمان الشعب من أسباب الحياة هو قتل للحسين ، ومنع الناس من الحرية ومن السلام ومما هو ضروري ولازم هو قتل للحسين .
وفي هذه الأيام يتبارى المرآؤون فيكثر التبذير والإسراف ، ويتنافح أهل المنابر أيهم يُبكي الناس أكثر فضاع الحسين وضاعت أهدافه ، وكلنا يعلم إن ذلك ليس من أجل مرضاة الله ، بل هو طاعة للهوى والشيطان هو للتباهي والتفاخر الجاهلي المنبوذ والمكروه ، وحبذا لوكان السخاء والجود في كل أيام السنة ، وحبذا لو كانت المرجعية ترى وتشاهد ، كيف يعيش سكان ماحول كربلاء والنجف ولانقول البصرة والناصرية ؟؟ ، نساء في أكوام القمامة يبحثن عما يعيلهن ويعيل عيالهن ، هذا ليس كلاماً في الهواء ولا هو كلام عاطفي بل هي مشاهد تعرضها شاشات التلفزيون العراقية .
أقول : إن رعاية هؤلاء المعوزين خير من كل هذه البهرجة والأعمال الكذابة ، وسد رمقهم وحفظ كرامتهم خير لمن يريد الخير بالفعل ، وخير لمن يريد مرضاة الله أو إنتهاج نهج الحسين حقاً ، كل ماهو مطلوب وكل ماهو واجب في هذا الشأن رفع الحيف والمعانات عن هؤلاء التعساء .
أقول : إن من يريد ان يحزن على الحسين فليحزن على هؤلاء الذين أتعبهم الضيم والضنك والضيق ، على هؤلاء الذين لا يجدون قوت يومهم ، ويكفي خداع الناس وتضليلهم فالحسين ليس شعاراً سياسياً يتعيش به المنافقون والدجالون ، ولتنته جوقة المطبلين والمزيفين المترفين الذين يبذرون في غير وجه حق ، و بئس العمل ذاك الذي لا يصون العرض ولا يحمي الكرامة ولا يسد أفواه الفقراء من الطلب والسؤال ..
وكل عام وأنتم بخير