لقد كنت في إجازة طوعية أراقب وأنظر وأدعوا ، كي يحل في وطني السلام والأمن والرفاهية والإستقرار ، ولم أكن أرغب والله يعلم قبل هذا اليوم في الكتابة عن الحكومة متى ؟ وكيف ؟ وأين ؟ لأني أدري إن هذا الشأن يكثر فيه القيل والقال ، وفيه تُسد الآذان وتعمى العيون ، وكل مافيه أقرب للثرثرة منه إلى الكلام المفيد ، إذ في مجمله ضار غير نافع ، كما إني ألتزمت الصمت ظناً مني أو هكذا كان يُخيل إليّ لعل في القوم رجل رشيد ، رجل يخرج بعيداً عن دائرة الأنا الذاتي يفكر ويعمل من دون حساب في المكاسب والأرباح ، وكنت في ذلك حسن النية ولازلت .
ولكن حينما طال أمر تشكيل الحكومة وكل يجد إنه صاحبها دون سواه ، وحين بدت ريحهم نتنه كان يجب عليّ التنويه والتنبيه ، خاصةً والعراق وشعبه يمر بفترات من العيش النكد الضيق العسير من الفقر والفاقة والعوز ، بدى ذلك واضحاً للجميع في شهر رمضان وعلى شاشات التلفزيون ، إن الآفاً مؤلفة من جماهير الشعب تعيش من غير مأوى وتستظل بالسماء ولامغيث ولا معين واعوان الحكومة ومريديها يسرقون وينهبون ويتنعمون بخيرات الوطن من غير رقيب ولا حسيب ، بل والنافذين منهم يتنابذون بالألقاب يشتمون بعضهم البعض ويسقطون بعضهم البعض وينعتون بعضهم البعض بكل ماهو قبيح وسيء ، والغريب إن هؤلاء النفر من شرذمة القوم يدعون الوصل بليلى من غير دليل ، وليلى هذه قد أكل الدهر عليها وشرب .
نعم كنت قاصداً الصمت لكي لا يقال إنني مع هؤلاء على أولئك أو إنني مع هذا الفريق على غيره ، مع علمي ويقيني بإن الجميع في هذا واحد ، أقول إنهم جميعاً سيئون فاسدون وشرذمة لايصلحون حتى لرعي البقر والجمال ، وإن العيب ليس فيهم وحدهم هو عيب فينا جميعاً هي جينات نتوارثها جيلاً بعد جيل وزمن بعد زمن ، إذن هو مرض قديم عاصر الأجيال التي توارثت سكناً على هذه الأرض ، فالثقة بين الجميع معدومة وحُسن النية مفقود بين الجميع وسوء الظن هو السائد بين الحاكم والمحكوم ، والعمل ليس للخير والصلاح بل للكسب الحرام على حساب قوت الشعب وعيشه ، وهذا الوصف هو ما يميز هذا الجيل من السياسين الآن في العراق .
وإذا كنا ننقم من صدام جهله وعنجهيته وظلمه وغباوته ، فإننا اليوم أشد نقمة على من ضلل الناس وأفسد عليهم رأيهم ودنياهم ، مكثرين بين الناس الفساد والرشوة والسرقة وإنعدام الأمن وفقدان الشعور بالمستقبل والفوضى وعدم الوضوح ، وإنعدام الإحساس بمفهوم الوطن وغياب مفهوم الهوية للوطن ، وأكاد أجزم من غير تردد ان ليس في العراق اليوم من أحد يمكنه الكلام بثقة وأطمئنان عن هوية العراق المستقبلية ، وكيف يجب ان تكون ؟ ، نعم نسمع هناك بين الفينة والأخرى ثرثرة عن الديمقراطية وعن الجد في تحقيق رغبات ومصالح الشعب ، هو كلام كما نعلم وتعلمون لايسمن ولايغني من جوع ، فسرائر الناس تحكمها دول الجوار وتتحكم بها ، والإرادة الوطنية غائبة والشرف الوطني ممتهن ، فطوراً مع إيران وبين أحضانها وطوراً مع سوريا ذماً وقدحاً ومصالحةً ، وثالثة الأثافي التنقل بين دول الخليج نمنيهم ونعدهم الإستثمار والشراكة في السياسة والإقتصاد والعمل والتنمية .
ليت شعري ماذا أقول ؟ أهم حقاً - أشباه رجال ولا رجال - كما قال الإمام علي في وصف أهل الكوفة ، وأقول : والله لقد ملئتم قلب العراقيين قيحاً فتعساً لكم ، على نواياكم وعلى خططكم ، وعلى ماتريدون ، فلقد ضاق بكم الشعب ذرعاً من أعلاه إلى أدناه ومن أقصاه إلى أقصاه ، حيل ومخاتلة وتآمر وخيانة هو مايميزكم عن غيركم ، كذب ونفاق وسرقه وغش هذا ديدنكم ، ولكني لازلت أمل بل أنتظر خروج ذلك الموعود الذي يحل عقدة الخيانة والتلكأ ، ليرفع عن الشعب كل هذا الضيم وكل هذا العنف وكل هذه الجريمة ، و أنا واثق أن لن يطول إنتظارنا كثيراً ، فالعالم الحر بالخفاء والعلن مع من يرفع الضيم ويكشف عن وجه العراق المشرق الجديد ، وهو معه يسانده في حركته وحراكه واليوم الموعود بات قريب جداً ، وفي ذلك أرجوا أن لا يقول أحد منكم إن ذلك غير ممكن في ظل وجود الجيوش الخارجية ، أقول بل إنه الممكن الوحيد بعد خراب كل شيء وفساد كل شيء ولابديل ، ولعل تلك الجيوش هي من تدفع بهذا الإتجاه بالخفاء والعلن ، فهل فيكم من رجل رشيد ؟ ، يتصدى للمهام قبل فوات الآوان يتصدى بالحكمة ، آخذاً بعين الإعتبار مصالح الشعب الوطنية ، يعمل مع الجميع وفي سبيل الجميع ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، ومن الضنك والضيق إلى سعة الوطن وإنسانية الإنسان فيه ، فتحقيق مصالح الشعب واجب وطني وأخلاقي وشرعي ومن أجلها يجب عمل كل مايلزم ...