ثمة أمر غريب لا أعرفه أنا ومثلي الكثير ممن يعيش في دول المهاجر والإغتراب ، أستفزني في غرابته وفي بعثرته للمفاهيم سواء في معنى الإنتماء أو في معنى الوطن ومعنى المواطن ، فالعراقي الذي أتخذ من بلدان العالم الغربي له وطناً عن طواعية وعن إختيار ، كيف له ان ينتخب أعضاء للبرلمان في العراق ؟
وماالفائدة المرجوة من ذلك من الناحية الموضوعية ؟ سيما وان هذا العراقي ، لو زار العراق يوماً صدفة لطُلب منه على الفور - الفيزا – ورسومها إن كان يحمل الجواز الغربي ، ولا يجدي نفعاً إن قلت لشرطة الحدود والمطارات بانك عراقي المولد والنسب ، وإنك تنتمي لبطن من بطون هذا الشعب .
نعم ليس غريباً ان يعيش العراقي إزدواجية المفاهيم والولاءات المبعثرة ، فهو إلى الآن لم يعرف معنى الوطن ؟ ولم يعرف كيف يجب ان تكون المواطنة ؟ وكيف يجب ان يكون الإنتماء ؟ ، فهو على طول الخط لا يعرف ماذا يريد ؟ وهو لا يعرف لماذا ينتخب أناس لا يعرفهم ولم يلتق بهم ؟ وكل ما يعرفه عنهم إنهم من هذه القومية أو من ذلك المذهب والدين ، وهو يعلم إن همه ليس همهم ورغباته ليست رغباتهم ، فهم في العراق هناك وهو هنا في بلدان الإغتراب ، نعم جميل ان يظل الإنسان يحمل الحب لذلك الوطن الذي ولد فيه ، وجميل ان يعمل لكي يكون ذلك الوطن أجمل وأرقى ، ولكن الأجمل من هذا وقبله ، هو ان يحدد ذاك العراقي معنى ولاءه الوطني ومعنى إنتماءه الوطني ، فهل هو لهناك أم لهنا ؟ أعني – بهنا - الدول التي آوته و أمنته من خوف وأطعمته من جوع وفتحت له المدارس البيوت ، وأمنته صحياً وأعطته من مال الضمان الإجتماعي لكي يعيش ودفعت له إيجار البيت لكي يسكن بأمان ، وهذه الحقوق لم يحصل عليها ولا على ربعها فيما لوكان هذا المغترب يعيش في العراق .
أنا لا أفهم من الناحية القانونية والإخلاقية ، لماذا يتهافت عراقيوا المهجر ممن أخذ الجنسية الأجنبية على دوائر الإنتخابات ليدلون بصوتهم في يوم إنتخابات برلمان العراق ؟ ، بتواضع أقول ومن دون مماحكة الأمر كما أراه خيانه لتلك الأوطان التي آوتهم ورزقتهم ، وهو خيانة لروح الإنسان السوي ، فليس من المعقول ولا من الطيب ولا من الحكمة أن يتاجر الإنسان بولائه ،
فمن يريد العراق فعليه أولاً : ان لا يتجنس بجنسيات الغرب من أصل ، وإن كان متجنساً فعليه إلغاء هذه الجنسية ليحقق معنى المواطنة .
وعليه ثانياً : ان لا يقبل معوناتهم في المعاش والحياة ، وعليه أن يعيش عندهم كمواطن عراقي مقيم وحسب ، هذا إن كان يعرف معنى المواطنة ومعنى الوطن ويعرف معنى الإنتماء ومعنى الهوية .
نعم إنتخابات الخارج واجبة على من يعيشون في بلدان تحرمهم حقوق المواطنة وحقوق الحياة كسوريا والأردن ومصر ودول الخليج التي عاشوا فيها ويعيشون سنيّ العمر كله من دون حقوق ، بل يعاملون في العادة بالسوء والغضاضة نرى ذلك في كل البلدان العربية التي عاش فيها العراقيون زمن المحنة ، نعم هناك وفيها يحق للعراقي الإنتخاب والمشاركة على أمل تغيير الحياة في العراق لكي تكون ممكنة ، ولكي يساهم عن قرب بما يريد وبما يرغب ، والمفوضية شأنها في ذلك شأن كل من يبدد ثروات العراق سرقة ونهباً ، وهاهي إنتخابات الخارج خير دليل على ذلك ، كل ما نقوله هنا : إن الديمقراطية في العراق هي ليست ديمقراطية الأسوياء ، بل هي ديمقراطية الطوائف والفرق ديمقراطية أبليس وشر جليس ....
راغب الركابي