بغداد ـ الصباح
في حوار اجرته جريدة الصباح مع الدكتور هادي نعيم المالكي استاذ مادة القانون الدولي وحقوق الانسان في كلية القانون جامعة بغداد اكد فيه ان العراق هو دولة فيدرالية من حيث الدستور
ومن خلال توزيع الاختصاصات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الاقاليم على الرغم من وجود الملفات العالقة ما بين الحكومتين الا ان هذا الامر لايعني ان الاقليم اصبح خارج سلطات الدولة بسبب هذه الملفات.
هل ان شكل الدولة سيبقى بصورته الفيدرالية؟
ـ انا اعتقد ان شكل الدولة سيبقى بصورته الفيدرالية حتى بعد قيام الانتخابات المقبلة التي من المؤمل اجراؤها بداية العام المقبل وارى ان تاثير هذه الانتخابات سينحسر في شكل الخارطة السياسية على الكتل التي ستوجد في البرلمان وربما ستكون هنالك تغيرات كبيرة على الاحزاب التي ستاتي او ستخرج وعلى التحالفات.
هل تتوقع اقامة اقليم جديد في المرحلة المقبلة؟
ـ على الرغم من ان الدستور يسمح بقيام اقاليم جديدة الى جانب اقليم كردستان الا انني لا اتصور من الناحيتين الاجتماعية والسياسية ان تكون هنالك اقاليم اخرى غيره على الرغم من المحاولات التي جرت في هذا المجال وآخرها محاولة الدكتور وائل عبداللطيف لانشاء اقليم البصرة، قد تكون للانتخابات المقبلة القدرة على حل الخلافات العالقة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان في حال تغير خارطة الكتل داخل البرلمان.
هل القانون يحدد طبيعة العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم؟
ـ في حال وجود خلافات بين الدستور المركزي للدولة الاتحادية ودستور الاقليم وحتى في حال اقراره من قبل سكان الاقليم والمفوضية فان هذا لايعني استمرار او بقاء هذه النقاط وانما بامكان اية جهة سياسية او اجتماعية ترى انها تضررت من خلال هذا الدستور الطعن فيه امام المحكمة الاتحادية العليا لان علاقة دستور الاقاليم بالدستور الاتحادي تبقى بمنزلة القوانين فمثلما بالامكان الطعن باي قانون يصدر عن البرلمان الاتحادي يكون مخالفا للدستور الاتحادي فان المحكمة لها الحق في النظر في ذلك الموضوع وابطاله اذا ما وجدت فيه اية مخالفة للدستور الاتحادي.
وفيما يتعلق بطبيعة الدولة العراقية من حيث كونها دولة دينية ام علمانية اكد المالكي ان المسالة محسومة فالعراق القديم الذي عمره ستة الاف سنة هو عراق علماني كما وان العراق الحديث الذي تاسس في العام 1921 هو علماني سواء في الدولة الملكية او في حكم عبد الكريم قاسم او في حكم الاخوين عارف او في ظل حكم البعث بل وحتى في ظل النظام القائم بعد التغيير وعلى الرغم من ان الاحزاب التي ساهمت في تشكيل النظام السياسي الحالي بموجب الدستور الجديد هي احزاب دينية اسلامية سواء في البرلمان او في الحكومة والتي كان لها الدور الاساس في صياغة الدستور الحالي ولكن طبيعة الدولة العراقية وعلاقتها بالدين بقيت علمانية.
ولكن ما يحدث الان هو تضليل للمواطنين البسطاء الذين لايمتلكون ثقافة سياسية جيدة او وعيا سياسيا جيدا من قبل بعض الاحزاب الاسلامية التي ضللت المواطن من خلال القول بان العلمانية شيء غير جيد الا ان الواقع يشير الى ان المواطن العراقي عاش وظل يعيش في ظل الدولة العراقية التي ما زالت طبيعتها علمانية وما حدث في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة وما لاحظناه من تراجع للاحزاب الدينية دليل واضح على ذلك لان بعض هذه الاحزاب انتهت او شبه منتهية وما زال هنالك حزب واحد باق في الحكومة يقاوم من اجل البقاء وقد يبقى لاربع سنوات او ثمان اخرى فقط حسب التوقعات.
بل وحتى هذا الحزب قد يتراجع والسبب هو ان الطرح الاسلامي لهذه الاحزاب والصيغة التي يقدمونها لم تعد مقبولة لاجماهيريا ولا سياسيا كما ان الاحزاب الدينية في الحقيقة غير قادرة على الاسهام في بناء دولة مدنية معاصرة لان الاحزاب التي تريد بناء دولة مدنية تقوم على اساس الديمقراطية والانتخاب من الصعب عليها ان تتشكل على اساس الانتماءات العصيبة الاولية الفطرية كالاسلام والدين والمذهب لانها وباختيارها هذا ستعزل ابناء المكونات والاديان الاخرى من مشاركتها او الانتماء اليها. وكأن هذا الاحزاب لاتهتم لاصوات ابناء الديانات الاخرى فهل يتصور احد ان ينتخب مسيحي او ايزيدي حزبا اسلاميا هذ في الواقع مستبعد جدا لذا فان هذه المسالة لم تعد مقبولة او لن تكون مقبولة في المستقبل القريب لان هذه الاحزاب كما اشرنا غير قادرة على بناء دولة معاصرة بل على العكس هي قادرة على نقيض ذلك. او العمل على التاسيس عكس ذلك اضافة الى عملها على تشظية المواطنين على اساس الانتماءات العصبية الاولية من دين ومذهب وتوجه وما الى ذلك وما حدث من توتر واقتتال طائفي هما بسبب الخطاب والطروحات التي تبنتها هذه الاحزاب.
هل ان فشل الاحزاب الدينية في تحقيق حضور في الانتخابات سيجعلها تفكر باعادة حساباتها؟
الاحزاب الدينية شعرت بخطورة هذه المسألة بعد تبين الخلل البنيوي لتكوينها وفي فكرة تاسيسها فقد يكون الخطاب الذي تتبناه الان مقبولا قبل ثلاثين سنة عندما كان الصراع ايديولوجيا بين المعسكرين الاشتراكي والراسمالي الليبرالي حيث رأى في حينها بعض المفكرين الاسلاميين ضرورة تكوين احزاب اسلامية لصد هذه الافكار ومقاومة انتشارها داخل مجتمعاتنا وللبحث عن مكان او موقع للمسلمين داخل هذا الصراع الشرقي الغربي فتاسست هذه الاحزاب الاسلامية التي قدمت ايديولوجيات مختلفة من موقع الاسلام في الحكم السياسي وحل المشكلة الا انها فشلت فلم يكن هنالك نظام معاصر مقبول ممكن ان تقدمه هذه الاحزاب سواء ولاية الفقيه في ايران والتي راينا فشلها مؤخراً كونها تمثل دكتاتورية دينية والدكتاتورية الدينية اسوأ بكثير من الدكتاتورية العلمانية لانها دكتاتورية مركبة لان المواطن في الدكتاتورية العلمانية يستطيع ان يستدرك او يكتشف بان الرجل العلماني او الحاكم مخطئ فيعارضه اما في الدكتاتورية الدينية فانه يحتاج الى وقت لحل لغز القداسة الموهوم الذي تصبغه الانظمة الدكتاتورية الدينية على اشخاصها ثم بعد ذلك يستطيع المواطن معارضة النظام واسقاطه.
المرحلة التاريخية للاحزاب
الدينية انتهت في العراق
وبين المالكي ان لهذه الاسباب التي ذكرناها فانني اعتقد ان المرحلة التاريخية للاحزاب الدينية قد انتهت في العراق لاسيما ان المرحلة السابقة من التاريخ فسحت المجال لهذه الاحزاب لتقدم تجربتها في العراق الا انها فشلت في بناء نظام سياسي مستقر لذلك فاني ارى من وجهة نظري ان تغتنم الاحزاب العلمانية او الليبرالية التي نبعت من صميم المواطن العراقي وتبدأ بالاستعداد للانتخابات المقبلة والنزول بقوة من خلال تشكيل تحالف لطرح نفسها بشكل قوي لان نجاح هذه الاحزاب في قيادة البلاد سيسهم في دفع العراق قدما للوصول الى قمة التطور السياسي ويتحقق الهدف المطلوب وكما اعلم ان الاحزاب الليبرالية او العلمانية تعمل على تشكيل تحالفات وائتلافات سيعلن عنها قريبا على الرغم من الصعوبات التي تواجه هذه الاحزاب في تشكيل هكذا تحالفات لان كل حزب سياسي يعتقد بانه يمتلك مكانة معينة وانه اذا ما دخل في مثل هذه التحالفات قد يخسر مكانته او يقلل من وزنه السياسي لذلك فان عملية تشكيل تكتل سياسي هي بحاجة الى تقديم تنازلات من الاحزاب قد تكون مرة وهنا يجب الحراك السياسي وجمع هذه الاحزاب واقناعها من اجل تكوين ائتلاف علماني ليبرالي ديمقراطي قادر على ان يعمل او يحقق نتيجة جيدة عند دخوله الانتخابات المقبلة...