خلال فصل الشتاء، أصبحت صحراء النقب جميلة جداً. وعلى الرغم من ندرة الأمطار في المنطقة، حولت الأمطار القليلة التي سقطت في هذه الصحراء كل شيء إلى اللون الأخضر، وأصبح الهواء نظيفاً وهو الأمر الذي لم نعاينه خلال شهور الصيف الجافة.
ولكن منذ يوم السبت، عندما بدأت الهجمات الإسرائيلية الكبرى في قطاع غزة، على بعد أقل من 20 كيلو متراً من منزلي وأقل من كيلو مترين من المكان الذي أُدَرِسْ فيه، كان كل ما عايناه هو الظلام واليأس والخوف.
وأنا أجزم بأن شن هذه الحرب قرار خاطئ بكل المقاييس؛ إنه قرار خاطئ لأنه لا يمكن أن يحقق أهدافه المعلنة والحياة "الطبيعية" طويلة الأمد لسكان منطقة النقب. والحرب خاطئة من الناحية الأخلاقية لأن معظم الضحايا هم من المدنيين الفلسطينيين أو الإسرائيليين الذين تكمن "جريمتهم" الوحيدة في أنهم يعيشون في صحراء النقب أو قطاع غزة. وهذه الحرب خاطئة لأنها لا تتقدم صوب حل للصراع قابل للحياة؛ ولكنها تخلق بدلاً من ذلك المزيد من الكراهية وتصميم أكبر من جانب الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على إيذاء بعضهم البعض. وهي خاطئة لأنها تؤدي إلى ظهور مشاعر أقوى بأننا لا نمتلك شيئا إضافيا نخسره إذا نفذنا المزيد من الضربات بقوة أكبر. وهذه الحرب خاطئة؛ لأنه حتى قبل تصاعد الدخان الأخير من الركام وحمل آخر سيارة إسعاف للقتلى والجرحى إلى المستشفيات، سوف يجد قادتنا أنفسهم يوقعون على إتفاقية جديدة لوقف إطلاق النار.
وعلى هذا، يمكن القول بأن هذه الحرب غير ضرورية وقاسية وساخرة، وهي حرب كان يمكن تجنبها إذا كان قادتنا قد أظهروا شجاعة خلال شهور وقف إطلاق النار والعمل بصدق من أجل توفير حياة أفضل للشعب الإسرائيلي من سكان الجنوب، الذين تكمن جريمتهم الوحيدة في أنهم يعيشون داخل هذه المنطقة. ومنذ أن بدأت القوات الجوية الإسرائيلية في تنفيذ غارات على مدن قطاع غزة، كان من المستحيل معارضة الحرب بشكل علني. ومن الصعب العثور على منابر عامة ترحب بالدعوة إلى التوصل لوقف جديد لإطلاق النار والوصول إلى حلول بديلة لهذا الصراع، وهو الأمور التي لا تعتمد على القوة العسكرية أو حصار غزة. وعندما يكون الناس في وسط الحرب، فإنهم يكونون منفتحين على أصوات السلام؛ ويتحدثون ويصرخون من الخوف ويطالبون بتوقيع عقوبات على الأشخاص الذين تسببوا في الأضرار التي ألمت بهم. وعندما يكون الناس في خضم الحرب، فإنهم ينسون بأنهم يمكن أن يستخدموا قدرات إدراكية أعلى وقدراتهم العقلية والفكرية. وبدلاً من ذلك، فإنهم يدفعون من قبل التركيبات الساخنة لعقولهم، التي يمكن أن تقودهم إلى الإستجابة بخوف وغضب. وعندما يكون الناس في خضم الحرب، تلقى الدعوات التي تطالب بالتعقل والحوار والمفاوضات آذاناً صماء، إذا سمح لها بالظهور من الأساس.
وأنا أعيش في صحراء النقب، وأعمل بالتدريس في كلية سابير العلمية، وهي كلية تقع بالقرب من مدينة سديروت، في قلب ما يسمى بـ "أرض القسام" نسبة إلى الصواريخ التي تسقط عليها. وقد عايشت مشاعر الخوف والذعر الذي يصاب بها سكان صحراء النقب ومدينة سديروت عندما تدوي صافرات الإنذار، عند أي هجوم صاروخي يقع على هذه المناطق. وأعرف المجهود الذي يتطلبه الأمر لتهدئة الطلاب والزملاء عندما تضرب صواريخ القسام بقوة على مقربة من الكلية التي أدرس فيها، وأتمنى أن لو كان هناك شخص لتهدئتي أيضاً. وأعرف مشاعر خوف الناس عندما يقودون سياراتهم ويذهبون إلى عملهم بسبب عدم تأكدهم من إمكانية تعرضهم لإصابة بفعل صواريخ القسام.
ولكنني أعرف بأن حل هذا الصراع لن يتحقق عن طريق الحرب. ونحن جميعاً نعرف بأن السلام وحده هو الكفيل بحل هذه الأزمة عندما نقبل حقيقة أن الفلسطينيين في قطاع غزة يمتلكون كل الحق للعيش بكرامة وحرية. وسوف نعرف السلام فقط عندما ندرك بأننا يجب أن نتفاوض مع حركة حماس، عدونا اللدود، حتى وإن شعرنا بالدمار بسبب عدم إنتخاب الفلسطينيين لحزب أكثر إعتدالاً لقيادتهم. وسوف نعرف السلام فقط عندما يتوقف قادتنا عن التفكير في
أن حياتنا رخيصة ويمكن التضحية بها، ويساعدونا على تجميل وزراعة صحراء النقب والعيش بعيداً عن مشاعر الخوف والإحباط.
جوليا تشايتين
محاضرة بارزة في قسم العمل الاجتماعي بكلية سابير العملية ومطورة برنامج في معهد النقب لاستراتيجيات السلام والتنمية