في جلسة جمعتني بأحد الأصدقاء المهندسين بعد عودته من زيارة عمل قام بها إلى كوريا الجنوبية مؤخرا، تحدث عن التطور الحاصل في هذه البلاد الاَسيوية بشكل ملفت للنظر من حيث الخدمات المقدمة للمواطن والنهوض العمراني والتكنولوجي فضلا عن الطبيعة الخضراء الساحرة التي تتسم بها تلك البلاد كلما تبتعد عن مراكز المدن.
وبحكم نسبة الانبهار التي عاشها صديقنا المهندس اخذ يعزي أسباب وأسرار نجاح المواطن والمسؤول الكوري في نظرية التطور المجتمعي إلى أسلوب التاَلف والانسجام بين كافة مكوناته وكذلك علاقة المواطن بالمسؤول التي أنتجت بلادا جميلة ناهضة وجيلا واعيا اتجه صوب التنمية والإبداع والأكثر من ذلك توفر الثقافة الوطنية. وعلق على أمور أخرى هي أن الولاء للوطن واتباع الصيغ المثلى في ممارسة النظام هي ابرز الأسس المتينة لازدهار حياة الشعوب. ومن شدة العتب التي تعتمر صدر صديقنا المهندس اخذ يلوم نفسه والاَخرين ووضع مقارنة ما بين المواطن العراقي والكوري. وقال بالحرف الواحد ان مواطننا عندما يسافر الى خارج بلاده فانه يتحلى بمواصفات الإنسان الحضاري، الا ان هذه الخاصية الحضارية تنعدم تماما حين يوجد على ارض بلاده. وكان هذا الرجل يتحدث بشعور الإنسان الوطني الغيور على وطنه ويتحسر ان يلتحق بركب البلدان النامية تلك التي قطعت أشواطا من النهوض بجوانب مختلفة للحياة هذا ما كان يعبر به أمام عدد من الأصدقاء. تشظى الحديث ليشمل جوانب اجتماعية وسياسية أخرى تهم مصلحة المجتمع العراقي لكن صديقنا عاد بالحديث ثانية للمقارنة ما بين المسؤول الكوري والمسؤول العراقي وقد تعرض بالنقد لمسؤولين عراقيين وتحديدا أصحاب الدرجات الوظيفية العليا التي تشمل المديرين العامين وأمثالهم والأرفع منهم، وهؤلاء يتمكنوا بحكم وظائفهم المرموقة أن يجيروا السفرات الخارجية لدول أجنبية لصالحهم ويتنازلون للسفرات التي تشمل دولا مجاورة لموظفيهم. وفي أحيان أخرى يتكتمون عليها حتى ان بعضهم يدير مؤسسته عبر الإنترنت لمدة طويلة وهو خارج البلاد، وتعمق الحديث اكثر واكثر في سياق انتقاد أفعال وسلوك هؤلاء المسؤولين في سفرهم لبلدان أجنبية، فاتهمهم بالخيانة للوطن، وقال حين يزورون الدول الأجنبية يتصرفون كأنهم صبيان عابثين، وحين يعودون للعراق يتحول الواحد منهم الى بعبع لكنه في الوقت ذاته ضعيف النفس ، ومن ابرز هذه التصرفات، يقول صديقنا، جلسنا في غرفة مزودة بأجهزة اتصالات وإنترنت تعج بشخصيات من مختلف الجنسيات الأجنبية والعربية إلى جانب أصحاب الدار من الكوريين والجميع كان يتحدث ويكتب ويراسل بصمت وهدوء مثالي سوى أحد المديرين العامين من العراق عندما اتصل بعائلته وتحدث بصوت عال مما أزعج جميع من يوجد في غرفة العمل، وأضفى جوا فوضويا وتركز حديثه على شرح ابرز المعالم الحضارية والمدنية التي تتميز بها تلك البلاد (كوريا الجنوبية)، ويعدد لأفراد عائلته ابرز المدن الكورية التي زارها ويقول هذه الدولة تستحق أن نعتز بها كثيرا لأنها نظيفة وجميلة واَمنة ويتحدث لعائلته التي شملت الصغار والكبار بأنه يتمنى أن يعيش فيها وأوعدهم بزيارة هذه البلاد في اقرب فرصة إيفاد تتوفر لدائرته. وقد نسي اخينا السيد المدير العام أو تناسى انه جزء أساسي ومهم في هرم الدولة العراقية وان مشاركته بإخلاص ستكون فاعلة لان يجعل من عراقه اجمل من هذه البلاد الأجنبية والمفروض ان يتحفز ضميره لإعادة الإشراقة من جديد لبلاده بعد ان عبثت بها أيادي الأجنبي وساهمت ثنائية الاحتلال والفوضى الخلاقة بقتل نسبة كبيرة من حياة أبناء جلدته والعبث والتخريب بكل ما هو جميل في ربوعه.
ومن الملاحظ على المسؤول العراقي هذا أن جل اهتمامه ينصب على مكسب السفرة والصور التي يصفها بالبديعة حين التقطها بكاميرته الرقمية من خلال حديثه المستهجن لعائلته. وأمام هذا الطوفان من النقاش تساءلت، ما الذي يجب ان يكون عليه السيد المسؤول عندما وجد ان بلادا أسيوية جميلة أنبهر بما يحصل فيها من تطور ورقي في مختلف جوانب الحياة؟ وتساءلت أيضا، هل نسي ام تناسى ان البلد المحتل لن يرى النور طالما أقدام الغزاة تطأطيء أرضه، وان دولا كثيرة تعرضت للاحتلال الاستعماري ولكن نهضت بلادهم بتضافر جهود أبنائه وان المسؤول هو والي مؤتمن على أمانة كبيرة هي الوطن؟ تعودنا ان نسمع ونقرا ونشاهد تزاحم المسؤولين العراقيين وحاشيتهم للاخرين في المطارات والفنادق الفخمة لقضاء الليالي الحمراء واعتبروا العراق الذي لم يكن ذات يوم بلاد الاستقرار لهم ما عدا كونه منجم عمل او (مقاولة) ينالون منه مصاريف جيوبهم لتصرف بالخارج. إن من بديهيات العمل الوظيفي ان ترسل الدولة موظفيها صغارا وكبارا إلى دول أجنبية لنقل التجارب الخارجية وبما يعزز قيمة التحضر والإبداع في بلادهم لكننا أمام حالة فردية معاكسة في العراق المحتل. فالموظف كلما كان منصبه رفيعا كلما كان حظه اوفر بنيل جوائز السفر والمتعة والمال والثراء وشراء العقارات والاستثمارات في دول أخرى، وتجاوز على حقوق الوطن وأبنائه. وبصريح العبارة يتحول إلى لص يسرق ويعبث، يستفيد ولا يفيد، لا بل يضر. الكثير من الأفكار والانتقادات شخصت حالة التدني في مستوى عطاء وخدمات المسؤولين الكبار خلال السنوات الخمس الأخيرة وتلك حالة ألقت بظلالها على الشعب، وأجمعت جميع الإجابات والاَراء بان غالبية المسؤولين ليسوا مؤهلين وان نسبة كبيرة منهم لا يملك الاستحقاق العلمي ليتبوأ المنصب ولا الحس الوطني ولا الهوية العراقية ولا يملك عقارا بالعراق ما عدا العقارات التي استولوا عليها بظروف الغزو والاحتلال، وان ولاءهم لدول أجنبية أخرى بناء على رؤوس الأموال التي استثمروها هناك والمنازل الفخمة التي شيدوها أو اشتروها وسجلوها في دولة الاستقرار التي منحتهم جنسية بموجب قوانين الهجرة أو اللجوء الإنساني أو السياسي. من هذا المنطلق نخاطب بحس عراقي مخلص مسؤولينا المستحدثين ألا يسيئوا بتصرفاتهم عندما يوجدون في ساحات دولية أجنبية ونلتمس منهم أن لا يتكلموا اللغة الأجنبية، لأنها ليست لغتهم الأم، وعليهم ان يتحدثوا بلغة المجتمعات التي تربوا فيها وتطبعوا بأخلاقها ويقينا أن نسبة 90% منهم أصبحت الجنسية العراقية ملغية أو من الدرجة الثانية.