هذه المسألة يجب النظر إليها من حيث هي في الواقع لا من حيث كونها موضوعة مثيرة للجدل في أوساط معينة بذاتها ، فالقضية بما هي تقف في مجال البحث بين مؤيدين لها ورافضين ، ونحن وجرياً على عادتنا سنحاول تلمس مشروعية التحزب في الإسلام ضمن الأصول المعتبرة عندهم ،
وهنا لابد من القول إن قليل من الدارسين يعتبرون التنظيم الحزبي هو جزء لا يتجزء من المذهب السياسي في الإسلام أو جزء من النظرية السياسية في الإسلام ، والذي يقوم عندهم على إعتبار إن الإسلام دين ودولة ، وهذا الإعتبار إفتراضي جدلي يقوم على أساس الزعم التاريخي القائل : بان الرسول محمد قد أسس لنظام الدولة في المدينة - وهذا القول فيه شيء من الصحة وشيء من الطبيعة الرومانسية الحالمة ، وقد غطى هذا القول على جوانب رئيسية في الإسلام ودثر معه النظام القيمي الذي ما عاد غير شعار يرفعه الخطباء وأهل المنابر ، لكن المنطق السياسي حول الدولة الدينية تبناه معاوية بالفعل وقد علل فلاسفة المرحلة تلك هذا التوجه بإعتبار الإنسان كائن سياسي مدني ، يقيم علاقاته حسب المصالح المتبادلة .. لكن هل حقاً ان الرسول محمد قد شيد أسس الدولة العصبوية التي توالى على حكمها مجموعة قريش البرجوازية ؟ ، هذا الكلام يجب التحدث عنه ضمن سياقه التاريخي والموضوعي ، أعني ضمن مرحلة التصنيف التاريخي للمراحل مع عدم إغفال دور القبيلة في صياغة ذلك النسق التاريخي وتأسيسه للدولة المزعومة .
كما إنه لازال هاجس هيمنة العنصر القرشي سائد إلى يومنا هذا في إنماط الحكم في البلدان العربية والإسلامية ، ولهذا يُعد الإنتساب للسلالة القرشية هو نوع من الدعاية في تأكيد الأحقية في الولاية والحكم ، وقد نمى هذا الشعور الرومانطيقي أخبار يتبناها جماعة المسلمين كلاً حسب مصادره ، مع إن هذا إيهام تاريخي وسلوكي وخبري لاينسجم ونظرية الإسلام في العدالة والمساوات التي يقررها نص مكتوب يقول فيه الله تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم - وحكمة قائلة - لا فضل لعربي على أعجمي ، والناس سواسيه .. إلى غير ذلك ، إذن فتوريث العنصر القرشي الحكم والدوران في هذا الإدعاء هو بكل تأكيد عجز في صناعة النظام والإدارة الزمنية ، كما إن القول بان القرشي أو الهاشمي منصوص عليه من قبل السماء أمر مرفوض ولا يستقيم مع كليات وعموميات الكتاب المجيد ، الذي لاقيد فيها يخرج هذه الكليات عن طبيعتها التي وضعت فيها ، وهنا تبدو قضية الإنتظار لخروج الشخصية القرشية التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً تتحرك في نفس السياق التاريخي لهيمنة العنصر القرشي على الحكم ، كم إن الإنتظار في شكله المتداول هو وهم زائد مضاف لمجمل الإنتكاسات في العقل المسلم ، إنتكاسات تؤخر عملية التبادل المفترضه بين العبد وربه ، إذ معه لا يُحسن الناس من القيام بوظائفهم كما أُريد وطلب منهم ، والإنتظار يبطل عملية الصلاحية الدائمة للإسلام الغير مرتبط بشخص أو بجماعة أو بجهة لأن الصلاحية المفترضة دائمة السيرورة الإجتماعية والتاريخية .
إذن فالتحزب الطوباوي حول هذه الطروحات غير مطلوب من الله خاصة إذا ما نظرنا بتجرد لتقييم الظاهرة نفسها وتعليلها ، طالما كان الملاك فيها أخبار وروايات وقد دُعينا لعرض تلك الأخبار على كتاب الله فما وافقه نتمسك به وماخالفه نرمي به عرض الجدار - هذه هي القاعدة - في الحكم على الأشياء .
ولأن المسألة إجتهادية وليست إيمانية إعتقاديه وعناصر ومواد وخامات الإجتهاد فيها متنوعه لذلك فإفتراض حجيتها من قبل البعض وإلزام الغير بها هو - لزوم ما لايلزم - ، هذا في النظرية ولكن في التطبيق يُمكننا رؤية - المسألة الحزبية - على الضرورة في حالة الدفاع ورفع الظلم الواقع على الناس فهي هنا تنظيم إجتماعي ليس طبقي أو عصبوي أو فئوي بل هو حركة مجتمع عام يكون فيها العمل واجب لحماية الإنسان والحفاظ على كرامته لذلك تكون واجبة بلحاظ وجوب حماية الناس من التعدي والظلم ، ويجب التنويه على خضوع هذا الوجوب للظرف الموضوعي والتاريخي الغير مطلق ، وهنا نحن نشير إلى إهمية التقييد الموضوعي والتاريخي ، ذلك لأن التحزب في إطار الدولة ممنوع لأنه سيكون تنظيم للتفريق الأممي وهذا مرفوض من قبل كل العقلاء ومن الله سيد العقلاء ، وعليه يكون العمل الحزبي في الدولة وحسب مفردات الواقع هو تجذير للإنقسام الفئوي والطبقي ، الذي يلغي مبدأ الأمة الواحدة كما يركز على صيغ الشيع التي نبذها الله لأنها ستكون دعوة لتوكيد الخلاف بين أبناء المجتمع ، وهنا نكون قد بينا ماهو واجب وماهو ممنوع وكيف ومتى ؟ لذلك يكون التمسك بحزبية في إطار مؤوسسة الدولة تفكيك للدولة من داخلها وهذا ما نشاهده في عراق المنطقة الغبراء وأحزابها الإسلاموية ..