كل شهر فرانكنشتايني وأنتم بخير. نعم، في هذا الشهر تحل الذكرى المائة والتسعون لصدور رواية «فرانكنشتاين» لماري شيلي التي تدور عن شخص يحلم بإعادة صياغة الإنسانية لكنه ينتهي إلى إيجاد وحش. ولعلكم تتساءلون كيف تأتي لي أن أنتبه إلى الشهر الفرانكنشتايني؟
ولكم الحق في السؤال، فالعلامات قليلة في هذا الصدد على ما يبدو، حتى أنني لم أجد بطاقة تهنئة تحمل عبارة الذكرى المائة والتسعين لفرانكنشتاين. ولكن بوسعكم لحسن الحظ أن تستعيضوا عن هذه البطاقة بتصفح جرائد الأسبوع التي تحوي عددا أكبر من المعتاد من صيحات اللوعة القائلة: يا إلهي.. لقد صنعنا وحشا بأيدينا، والتي ترد جميعا في ثنايا مقالات معنية بالسياسة الخارجية، معظمها اختار الحكومة الأمريكية بديلا معاصرا لد.فرانكنشتاين.
ولنبدأ بأكبر أخبار الايام الماضية وهو من باكستان. فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الثلاثاء 15 يناير تقول إن الجماعات العسكرية الإسلامية الممولة على مدار سنوات من قبل المخابرات الباكستانية وبدعم من الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي قد خرجت تماما عن نطاق السيطرة. وها هي الحكومة الباكستانية التي كانت ترمي إلى بسط نفوذها في أفغانستان وتعزيز مصالحها في منطقة كشمير من خلال هذه الجماعات العسكرية تكتشف اليوم أن السهم قد ارتد على الرامي، وأن مقاتلي تلك الجماعات العسكرية الإسلامية قد سجلوا رقما قياسيا في الهجمات الانتحارية خلال العام الماضي، وكان بعضها موجها مباشرة إلى وحدة عسكرية واستخباراتية.
ويزداد الطين بلة حينما نجد كثيرا من التحليلات تشير إلى أن المخابرات الباكستانية مخترقة بعملاء يؤيدون المقاتلين وأجندتهم المتطرفة. وبرغم ذلك تواصل إدارة بوش إمطار الجيش والمخابرات هناك بالمعونات، بغض النظر عن أن الدولة كلها تغرق إلى فوضى عارمة. أهي سياسة أمريكية بعيدة المدى؟ إطلاقا. ويحرز وحشنا مائة نقطة بينما يحرز فرانكنشتاين صفرا من النقاط.
ما دمنا على مرمى حجر منها، فلنذهب إلى أفغانستان التي قمنا قبل ست سنوات بـتحريرها من نير طالبان، وفيها أيضا أشباه فرانكنشتاين. ففي يوم الثلاثاء نفسه أبرزت واشنطن بوست خبرا رئيسيا عن وضع متدهور: بعد بضي أكثر من ست سنوات على حرب قوات التحالف في أفغانستان، الناتو يعاني توترا واهتزازا إزاء كل تفصيلة من تفاصيل الصراع«. فأمراء الحرب وبعضهم يلقى دعما أمريكيا يسيطرون على مناطق أفغانية كثيرة، وطالبان تنبعث من موتها، »ومن المتوقع أن تشن هجمة في الربيع« والأفيون مزدهر، والتفجيرات الانتحارية ارتفعت بنسبة ثلاثين بالمائة، وثمة دلائل على أن القاعدة تتجمع من جديد.
وفي اليوم التالي ذكرت لوس آنجلوس تايمز أن معدل الوفيات بين القوات الأمريكية كان في عام 2007 أعلى مما كان عليه قبل ذلك.
ويتنبأ وزير الدفاع روبرت جيتس بأنه سوف تكون هناك حاجة إلى سبعة آلاف وخمسمائة فرد إضافي في القوات العاملة في أفغانستان. ونحن وإن كنا جوبهنا بأسباب حملتنا على الندم لقيامنا في ثمانينيات القرن الماضي بتسليح المقاتلين الأفغان وهم طالبان الحاليون (والذين كنا واقعين في غرامهم حينما كانوا يقاتلون السوفييت)، إلا أن الولايات المتحدة تفكر الآن في تسليح بعض الأفغان في المناطق الجنوبية لمواجهة انبعاث طالبان. فهل توجد استراتيجية لخروج من أفغانستان؟ إطلاقا. وتزداد نقاط وحشنا، ويحصل على النقاط التي سبق لفرانكنشتاين أن حصل عليها.
وإلى العراق، حيث قلت الوفيات إلى حد ما، ولكن غياب أي تقدم سياسي أدى إلى حالة سكون هي برغم ذلك متوترة وعنيفة، وغير قابلة للاستمرار على سكونيتها إلى إذا بقيت القوات الأمريكية إلى الأبد. وفي يوم الثلاثاء المشار اليه أيضا قال وزير الدفاع العراقي إن العراق لن يستطيع توفير الأمن الداخلي قبل عام 2012 على الأقل ولن يستطيع أن يدافع عن حدوده قبل عام 2018 على أقل تقدير.
كان ينبغي للعراق أن يصبح منارة للسلام والديمقراطية الاستقرار. وإذا به يتحول إلى منار لتجنيد المقاتلين الإسلاميين، وثقب أسود يمتص دولارات دافعي الضرائب ومستنقع لقواتنا.
بل إن نجاحاتنا الظاهرية تحولت إلى مشكلات جديدة. فتسليح القبائل والزعامات الدينية قوض الجهود الرامية إلى تقوية الحكومة المركزية الهشة في العراق، وأهم قصص النجاح في العراق وهي المنطقة الكردية المستقرة نسبيا في شمال العراق باتت عرضة دائما للتشوه بتصاعد الصراع مع تركيا على المواقع العراقية التي يلوذ بها المتمردون الأتراك. لقد قامت تركيا هذا الأسبوع بقصف أهداف داخل العراق للمرة الرابعة في شهر واحد. وفي العراق كما في غيره، ليست لدينا استراتيجية للخروج، ويواصل الوحش الذي صنعناه نسج خيوطه حول أعناقنا.
والآن إليكم اقتراحي: تعالوا نلتق جميعا على الاحتفال بشهر فرانكنشتاين، وليكن هذا الشهر فترة وطنية لتأمل عجرفة سياستنا الخارجية وتوابعها غير المقصودة.
لقد أوجد الرئيس بوش شهر الرقابة الوطنية، والأسبوع الوطني للمدينة الزراعية وشهرالهواء الطلق، فلم لا يكون هناك شهر لفرانكنشتاين؟
في رواية شيلي، أقام د.فرانكنشتاين وحشه من أعضاء سرقها من جثث بشرية، وكذلك يفوح الوحش الذي صنعته سياستنا الخارجية الطائشة بعفونة الموتى. وفي رواية شيلي، يجد د.
فرانكنشتاين نفسه عرضة لعذاب الضمير حينما يدرك ذلك الهول الذي أطلقه على العالمين فيحاول بكل ما أوتي من قوة لكي يصحح خطأه، ولعل في هذا درسا للبيت الأبيض.