إذا كان يؤرخ لابتداء تبلور المشاريع الفكرية العربية بأواخر ستينات القرن المنصرم التي شهدت الهزيمة العربية القاسية، فإن وطأة اللحظة ومرارتها قد فرضت على تلك المشاريع أن تمحور اشتغالها حول النقد بالأساس. وبالرغم من منطقية أن تلقي الإيديولوجيا بظلها الثقيل على ذلك الاشتغال النقدي، وعلى النحو الذي استحال معه هذا النقد إلى «نقد إيديولوجي» في معظمه، فإنه يُلاحظ أن الباب قد راح ينفتح تدريجياً، أمام نوع من النقد المغاير، هو النقد المعرفي الذي راح يهيمن على الساحة الفكرية العربية منذ مطلع الثمانينات تقريباً. ورغم ما أحدثه هذا الضرب الأخير من النقد من تغيير عميق في طبيعة النظرة إلى الأزمة العربية، فإن ما طال معظم تجلياته من اختراقات الإيديولوجيا قد انتهى إلى إرباكها وتشُّوشها شبه الكامل، وعلى النحو الذي راحت معه تناطح نفسها، فيما بدا وكأنها إعادة إنتاج- لا أكثر- لما عرفه الخطاب العربي، قبلاً، من تناحر الإيديولوجيات على سطحه.
تتمة موضوع "الأيديولوجيا وتثبيت الأوهام بدلاً من تحرير الأفهام..... د. علي مبروك "