يعيش العراق الجديد مشاهد واحداثا مليئة بالتناقضات والمواقف الغريبة والمتقلبة، ولكن تظل شخصية السيد طارق الهاشمي زعيم الحزب الاسلامي (السني) ونائب الرئيس الاكثر غرابة واستعصاء علي الفهم، فهذا الرجل لا يثبت علي موقف، ولا يحترم كلماته، ولا يهمه شيء غير البقاء في الحكم بأي صورة من الصور.
قبل ايام معدودة هدد السيد الهاشمي، وللمرة الخامسة ان لم تخني الذاكرة، بالانسحاب من الحكومة الحالية، والعملية السياسية برمتها، اذا لم يتم تعديل الدستور، وتوزيع دائرة المشاركة في السلطة، وتخلي الحكومة عن ممارساتها الطائفية، الدستور لم يعدل، والحكومة ظلت طائفية، ودائرة صنع القرار اصبحت اكثر ضيقا مما كانت عليها، والانهيار الامني يزداد سوءا، ومع ذلك ما زال السيد الهاشمي في موقعه وتخلي عن جميع تهديداته بمجرد ان حظي بلقاء مع السيد نوري المالكي رئيس الوزراء. الاخطر من ذلك ان السيد الهاشمي يقوم حاليا بجولة في الدول العربية، توقف خلالها في شرم الشيخ، حيث التقي الرئيس مبارك، ويطير اليوم الي الخرطوم، وبعدها الي دول الخليج، حاثا هذه الدول علي المشاركة في صياغة مستقبل العراق وعدم تركه للقوي الاخري، ملمحا بذلك الي ايران والولايات المتحدة. من الواضح ان السيد الهاشمي يمارس لعبة مزدوجة ومكشوفة، فهو ينتقد الحكومة العراقية، والعملية السياسية التي انجبتها في المجالس المغلقة، ويطالب في مؤتمراته الصحافية العلنية بدعمها. والا كيف نفهم مطالبته للحكومة المصرية باعادة سفيرها الي بغداد من اجل المحافظة علي الهوية العربية في العراق. فاذا كان السيد الهاشمي يعارض مثل هذه الحكومة الطائفية التي نزعت الهوية العربية للعراق علي حد وصفه، ورمته في احضان الايرانيين والامريكان، فلماذا لا يبادر هو بالخروج منها، وسحب جميع نوابه من البرلمان، مقدما المثل والنموذج، بدلا من الاكتفاء باللعب علي الحبال السياسية، وفعل كل ما هو مطلوب وغير مطلوب، من اجل البقاء في السلطة والتمتع بامتيازاتها، حتي لو جاءت علي حساب بلده وطائفته. المفارقة ان السيد الهاشمي يمثل حزبا اسلاميا، نبت في رحم حركة الاخوان المسلمين وقدم نفسه دائما بانه يرفع راية الاسلام السني الحقيقي، ويحرص علي العراق وعروبته، وحماية الطائفة السنية فيه، ولكن ممارساته تأتي عكس ذلك تماما، وتوحي بان الرجل، وقاعدته الحزبية هما نقيض ما يبشر به، وهو بارع في ممارسة كل انواع الخداع والتضليل، ومخلص في الاستماع الي التوجيهات الامريكية، خاصة عندما تأتيه من الرئيس جورج بوش الابن، حضوريا او عبر الهاتف. الاسلام لا يقر ابدا التعاون مع الاحتلال، والدخول في عملية سياسية تشرع وجوده، وتكرس هيمنته، وترهن ثروات البلاد في خدمته، اللهم الا اذا كان اسلام السيد الهاشمي غير الاسلام الذي نعرفه، ونحتكم الي تعاليمه وشرائعه. السيد مقتدي الصدر الذي تعتبر جماعته جزءا اصيلا من الائتلاف الشيعي الحاكم في العراق الجديد ، ويملك كتلة ضخمة في البرلمان، وساهم نوابه في وصول المالكي الي منصب رئاسة الوزراء، سحب جميع وزرائه من الحكومة احتجاجا علي طائفيتها وعدم تحديدها موعدا لانسحاب القوات الامريكية من العراق، بينما السيد الهاشمي وشريكه في جبهة التوافق السنية عدنان الدليمي، ثابتان في البقاء في الحكومة، صلبان في تأييدهما لها، وكأنها حكومة ائتلافهما. السيدان الهاشمي والدليمي ومن لف لفهما، دخلوا العملية السياسية وشاركوا في الانتخابات تحت ذريعة حماية الطائفة السنية، وتثبيت حقوقها، وتسريع عملية انسحاب القوات الاجنبية بترسيخ استقرار العراق، وتكريس التعايش بين طوائفه واعراقه، ولكن ما حدث هو عكس ذلك تماما، فالعملية السياسية التي آمنوا بها وشرعوها بمشاركتهم فيها، افرزت حكومة ومحاصصة طائفية، وفرق موت، وتطهيرا عرقيا، وتهجيرا جماعيا، وحربا اهلية طائفية، وجثثا مجهولة الهوية، وانهيارا كاملا في الامن والخدمات. ومع ذلك ما زال هؤلاء في السلطة والحكومة والبرلمان، والاكثر من ذلك يطوف السيد الهاشمي بالعواصم العربية طالبا مساندة الوضع القائم، والحفاظ علي هوية عربية لم تعد موجودة في العراق ويتحمل المسؤولية الاكبر عن ضياعها. نطمئن السيد الهاشمي بان القادة العرب الذين يزورهم لن يستجيبوا لدعوته في التحرك للمشاركة في صياغة مستقبل العراق، لعدة اسباب اولها ان هؤلاء غير موجودين اساسا في العراق، وثانيها انهم مسحوا الهوية العربية، بمعانيها الحقيقية في بلدانهم نفسها عندما حولوها الي ادوات في خدمة مشاريع الهيمنة الامريكية ضد العرب، وثالثها واهمها ان هؤلاء الزعماء وعلي رأسهم كبيرهم، اي الرئيس حسني مبارك، هم الذين تواطأوا مع الاحتلال الامريكي للعراق، وتامروا علي هذا البلد لاكثر من 13 عاما، عندما ايدوا الحصار التجويعي الظالم، وصمتوا عن استشهاد اكثر من مليون عراقي بسببه. الزعماء العرب الذين يطالبهم السيد الهاشمي بالحفاظ علي عروبة العراق، لا يجرؤ احد منهم علي الاعتراف علنا بان هذا العراق محتل وان مليونا من ابنائه استشهدوا بنيران الاحتلال وميليشياته، وانه الاكثر فسادا في العالم حيث تسرق ثرواته في وضح النهار. لا نستغرب تشبث السيد الهاشمي بالسلطة، ولكن ما نستغربه هو صمت ابناء طائفته الذين يدعي تمثــــــيلهم عليه طـــــوال هذه الفترة اولا، وصمت الاحزاب والجماعات الاسلامية علي مواقفه هذه الامر الذي يوحي بقبولها لها، ونحن نتحدث عن جماعة الاخوان المسلمين، الجماعة الام التي رضــع من ثدييـــــها ووجد منها كل الدعم والمساندة