نحن هنا إنما نتحدث عن المشكل السياسي والأمني والثقافي والإقتصادي في العراق ، فمنذ أن تبني الكونغرس الأمريكي قراره غير الملزم بمسألة التقسيم ،شعر بل أستوعب العابثين ماهية وهوية المنطق والخطاب الدولي الجديد ، وصار خيار - أنا أو لا أحد - الذي كان يرفعه ويتبناه في الواقع - مغامرون عبثيون - من بقايا عقل الماضي ،
غدى هذا الخيار مرتعش مهزوز لدى حامليه وذلك بحكم الجدية والحزم الذي مال إليه المشرع والسياسي الأمريكي ، وكذا تبدل الرؤية لدى مثيري الفتن بعد شعورهم أن لا ملجأ لهم في عراق مقسم وهذا الإستنتاج يعضده التحليل الموضوعي للتاريخ والواقع .
ولهذه الأسباب كنا مع هذا الخيار في صورته الإعلامية الضاغطة مؤيدين ومناصرين للتأكد من نوايا العراقيين ومن ردات فعلهم ولم نكن جادين في تأييد الفكر الإنفصالي أو التقسيم لأن ذلك مخالف لمبادئنا وقيمنا وأخلاقنا وثوابتنا الوطنية والسياسية والنفسية .
فنحن كما يعلم المتتبعين بأننا من أشد الناس حرصاً على عراق واحد موحد متنوع الأطياف ، لأننا نؤمن بأن في التنوع رحمة في كل المجالات الحياتية ، والتنوع المجتمعي عندنا هو بمثابة القوة التي تخلق التوازن الأممي من دون حيف أو أحقيات ، والتوازن يمثل عندنا المعنى الطبيعي للخلق الإلهي .
وحين نقول الآن : أن خيار الحل الوطني من خلال المشاركة الفعلية والمصالحة الوطنية يبدو هو الخيار الأكثر واقعية في ظل الواقع الجديد والفهم الجديد والتعاطي مع القرار الدولي بروح المسؤولية والحنكة السياسية لدى البعض ممن رغب أو أشار أو شارك بشكل مباشر أو غير مباشر في تغيير لغة الخطاب السياسي لتناغم العقل العراقي ومحركاته ومحفزاته ، وهكذا كان بعد أن أستشعر المغامرون أن - التاريخ لا يعيد نفسه - وإن حركة الديمقراطية هي سيرورة إجتماعية مضطردة يرعاها المجتمع الدولي بعناية ويتفهم حركتها العقل السياسي الواقعي .
وهذا يعني إن دعاة الفئوية والطائفية والشوفينية في العالم الجديد محلهم إلى زوال طالت أم قصرت الأيام ، ولذا فمنطق المصالحة هو منطق التاريخ وهو منطق الشعوب التي تحلم بغد أفضل ، وهذا المنطق هو ما يجب ان يعمل عليه الآن من خلال فسح المجال للمختلف وللرافض أن يعبر عن وجهة نظره بوضوح وأن يقول كل مالديه من دون رقيب أو كوابح مع التأكيد منا على إيجاد الآليات التي تحمي أؤلئك من الأمور الكيدية والتآمر الذي قد تحركه دوافع النفس الأمارة بالسوء .
ولعلنا لانخطئ التقدير إذا ما قلنا أن الحاجة تبدو ماسة لتغيير وتبديل الكثير من نصوص الدستور لتكون قادرة على حل التناقض وسد الخلل الذي قد يفهمه البعض على هذا النحو ، كما يجب إن تعالج الهفوات بروح من التوازن المجتمعي تحت بند - لا غالب ولا مغلوب - ، ولهذا نؤكد نحن على حتمية الحل و قربه في ظل التغير الحاصل في قوى الفعل السياسي وكذا في الإيمان لدى البعض بان القتل والقتل المضاد وتفجير الناس وإغتصاب الحقوق والتهجير ليس السياسة التي تدوم إلى الأبد ، كما إن التشبث بالخطاب الطائفي لا يخلق وطناً بل سيؤدي حتماً للتقسيم ، كما إن عودة عقارب الساعة إلى الوراء ولت إلى غير رجعة هذا ما نفهمه ويفهمه الجميع ، ولقد قلتها في غير مناسبة إن الصراع السلبي على السلطة سيؤدي إلى جعل العالم الحر مقتنع بضرورة التقسيم لشعب لايستطيع التعايش والمشاركة ويستبدل الحلول السلمية بمنطق الغلبة وهيمنة طرف على طرف أخر ، وهذا غير ممكن الآن في العراق ولن يحصل مستقبلاً مادام العراق هو بلد وشعب وأمة متعدد ة الأطياف والقبائل والأعراق والمذاهب والرؤى .
ولذلك نقول - إن التلويح بالعصا خير من إستخدامها - وهكذا فعلت أمريكا من خلال رؤية سياسية مشتركة ، ويبقى على العراقيين الألتفات نحو مستقبلهم وبناء حاضرهم وتصليح أحوالهم المعاشية ومادمرته سنوات الحروب والظلم ، يأتي هذا من خلال تحديد مفهوم معنى المواطنة وترسيخ قيم الهوية العراقية بالعمل المشترك ، والإعتراف بأن الأمن مرهون بالإيمان بالوطن الواحد الموحد ونسيان الماضي البغيض بكل سوءآته وما جره من قتل وقتال وحروب أنهكت الوطن والمواطن وأستفرغت كل مالديه وبدلت في مقومات شخصيته الكثير ، إن الحل بات قريباً مما جعلنا نحلم من جديد ببناء وطن حر مستقل محايد يحب شعبه ويحترم جيرانه ويؤمن بأنه مركز تحول للعالم الثالث نحو الديمقراطية والحرية والعدل والسلام ..
راغب الركابي
05 – 11 – 2007