التجديد الديني، الدين المعاصر، الفكر الديني التجديدي، قضايا دينية
معاصرة..
عناوين توالت على الفهم الديني، في محاولة لإشباع أسئلة مختلفة؛ من قبيل:
هل
الدين يلبي كافة متطلبات العصر؟ هل نحتاج إلى تجديد؟ ما هي مرافئ التجديد
وبأي
سفنٍ نصلها؟ هل يمكن صنع خطاب معتدل يتعانق والهويات الأخرى في علاقة
حضارية
تتفق مع الراهن السياسي والاجتماعي؟ كيف نستطيع أن نبرز للدين صورة طيبة
غير
تلك التي خلقها الراديكاليون؟ هل القرآن كتاب عبادة أم كتاب حياة؟
أسئلة يفي بعضها بالحاجة الفعلية الذي يخلقها العصر الحالي، مع ما يفرضه
من
تضييق سياسي منظم على الدين الإسلامي، لكن، هل كل الأسئلة المطروحة لمشروع
التجديدات المتعددة في الدين هي بذات المنطقية للأسئلة الملبية لحاجة
العصر؟
وبالتالي، هل كل التجديدات الدينية-وإن لبست ثوبا تأصيليا-هي تجديدات لا
تُخرج
الدين عن منطوق النص؟ الإمكان في التجديد حاصل وبقوة، لكن ماذا يعني
التجديد
الذي إمكانه متوفر في راهننا؟ هذا السؤال يشتغل على أكثر من محور: ماهية
التجديد، ولماذا التجديد، وكيفية التجديد، وما تأثير الآخرين على تجديدنا؟
عند
الوقوف على ماهيات التجديدات المتعددة، نراها متباعدة بُعد المشرقين، ولو
سألنا
صاحب كل تجديد عن السبب، سيقول: هذا الفهم الأقرب للدين المتوافق مع
العصر! إذن
يتفق أصحاب هذا المسلك في مفهوم (التجديد)، كما أنهم يتفقون في أنه (قريب
للواقع أو هو بعينه)، ويختلفون في آليات الفهم الديني وما يستتبعه من خط
منهجٍ
للحياة.
أما لماذا التجديد، فبعد أن يقنعنا أصحاب التجديدات أن أفهامهم قريبة
للواقع أو
هي بعينها، فإنهم سيضيفون أنْ لولا التجديد لجمُدت تفاعلات الإنسان مع
دينه،
وهذه الجملة تصوّر مدى أهمية وحتمية التجديد، بل وتصوّر أن العيش بلا طرحٍ
تحديثي للفهم الديني يعني انفصال المرء عن دينه ميكانيكيا. الآخرون الذين
يمثلون الوجهة المقابلة للدينيين، قد يؤثرون على بعض التجديدات وقد لا يتم
أي
تأثير أبدا على طرح ديني ما- مع الشك في عدم التأثير مطلقا-ويبقى أن كل
التأصيليين الدينيين ينفون تأثير الغير عليهم، ويعتبرها بعضهم تهمة فاحشة.
التوطئة السابقة أتت لمحاولة فهم ‘’اللهاث’’ المديد نحو ما يسمى تجديدا،
وبسبب
وبدون سبب يحاول بعض الباحثين إبراز الفهم التجديدي عبر بحث أو كلمة أو
مقال أو
كليشه روتيني يعزفه في المحافل الإعلامية، خصوصا إذا اتخذت عناوين
تحييدية، من
قبيل: الإسلام والآخر، الإسلام والإرهاب، الإسلام المتطرف والإسلام
المعتدل..
ولعل بعد كل ذلك، سنفهم حقيقة مهمة بالنسبة لـ ‘’الآخر’’، فبغض النظر عن
التأثيرات الكثيرة الداعية للتجديد هنا أو هناك، فإن الآخرين في معادلة
التجديد
يمثلون رقما صعبا، ولنا في دراسة الدكتور عبد السلام مغراوي الخبير في
شؤون
الإسلام السياسي والإصلاح، وهو مدير برنامج ‘’مبادرة العالم الإسلامي’’
بمعهد
السلام الدولي بواشنطن، خير مثال، إذ يحاول جاهدا أن يبين للولايات
المتحدة أن
ثمة أنساقا متعددة في إطار الدين الإسلامي وليس كل الكيانات راديكالية،
مبيّنا
أن التجديديين في الإطار الإسلامي حالة إيجابية والتعامل معهم بسلبية لن
يكون
في صالح أحد. وكأن أميركا لا تعلم بكل ما أورده الدكتور مغراوي في دراسته،
بل
وكأن الدكتور مغراوي لا يعلم أن الولايات المتحدة منظمة عالمية تغذي
كيانات نسف
الآخرين ما لم يتوافقوا مع الرأسمالية اقتصاديا والصهيونية سياسيا؟!
الخشية كل الخشية أن يأتي يوم تصير فيه كلمة تجديد ديني، كلمة مستهلكة إلى
حد
الملل.
مفاهيم
عباس علي الجمري
* كاتب بحريني مقيم في إيران