وصف الصحافي الفرنسي تييري ميسان موقف جاك شيراك رئيس فرنسا السابق من الوضع في لبنان والإصرار علي إنشاء المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري بسياسة الخلط بين الشؤون الشخصية وشؤون الدولة الفرنسية، باعتبار أن صداقة شيراك لرئيس الحكومة اللبناني المغتال كانت، حسب ميسان، أحد أهم محفزات موقفه من الوضع اللبناني الحالي. وعبّر عن أسفه لهذا الخطأ الدبلوماسي الخطير الذي كلل مسارا طويلا من قطع شيراك الكثير من قنوات الاتصال الفرنسية التقليدية في المنطقة وتركيز كل سياسة بلاده في علاقته الشخصية برفيق الحريري.
وذكر أن أنصار الحرب علي لبنان كانوا حريصين علي انتظار الفرصة التي تسمح بتحييد فرنسا حتي لا تعرقل مخططاتهم وحتي لا يتكرر السيناريو العراقي، وقد منحها شيراك إياهم علي طبق من ذهب بالطريقة التي أدار بها الملف اللبناني.أكد ميسان أن الذين خططوا للحرب علي لبنان أرادوها أن تكون حربا للسيطرة الأمريكية، الأنغلوساكسونية، علي الشرق الأوسط برمته وإعادة رسم خريطته، تبدأها إسرائيل في شهر أكتوبر من العام الماضي ثم تخلفها قوات الحلف الأطلسي، غير أن هذه الأحلام أفسدها استعجال أولمرت تفجير الحرب وتحطمت علي خطوط دفاع حزب الله والمقاومة الشعبية المستميتة للشعب اللبناني. وخلص ميسان الي الاستغراب كيف أن الحكومة اللبنانية التي عجزت عن حماية البلاد من إسرائيل ما زالت في الحكم، عكس ما يجري في الحالات المماثلة في كل أنحاء العالم، فيما تُمنع القوي الحية في البلاد من المشاركة في الحكم.
بالنسبة لتييري ميسان، صاحب الكتاب المثير الكذبة الكبري ، (La grande imposture) حول الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001 ورئيس شبكة فولتير للصحافة الفرنسية غير المنحازة، لا يوجد أدني شك في تورط واشنطن في عملية اغتيال رفيق الحريري الذي كان محاطا بإجراءات أمنية يصعب اختراقها ولا يقدر علي تجاوزها إلا الذين وضعوا تصورها في تلميح له الي الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أكد قناعته أن المحكمة هدفها تنفيذ مخططات أمريكية معدة مسبقا منذ سنوات وليس التوصل الي مَن قتل الحريري ووضعِه في السجن من أجل محاكمته.ومن بين القرائن التي قدمها ميسان للتدليل علي صحة رأيه الخبر الذي روجته واشنطن بعيد عملية الاغتيال والذي وُجهت فيه أصابع الاتهام الي سورية والرئيس اللبناني إميل لحود، فيما كانت كل وكالات الأنباء في العالم تنقل الوقائع كما جرت وليس كما أرادت لها واشنطن أن تُفهم.
وأوضح ميسان أن سرعة الانتشار العالمي لهذه الأخبار المُوجهة وفي الوقت
الذي كانت فيه الولايات المتحدة تغط في النوم بسبب الفارق الزمني، أي خارج أوقات العمل، يوحي أن الطبخة كانت محضرة سلفا وأن واشنطن كانت علي علم مسبق بتوقيت عملية اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق.أما عن الموقف الذي سيتبناه الفريق الحاكم الجديد في فرنسا بقيادة نيكولا ساركوزي، فقال ميسان إن رئيس فرنسا الجديد سيجد نفسه أسير تناقضاته مما لن يسمح له بفعل أشياء تذكر في أغلب الظن، بل سيترك الحبل علي الغارب لواشنطن وتل أبيب لتفعلا ما تريدانه بكل حرية في المنطقة.ميسان عبر بوضوح عن استيائه للتصويت الفرنسي في مجلس الأمن لصالح إنشاء المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري. المحكمة التي اعتبرها حالة فريدة وغير مسبوقة عبر التاريخ ولم تأت لإحقاق العدل وإنما لأشياء أخري ، وشدد علي كونها تتعارض مع الدستور والقوانين اللبنانية ويديرها أجانب، فضلا عن كونها تنتهك سيادة لبنان.وأضاف أن كلام مندوب فرنسا لدي الأمم المتحدة عن احترام المحكمة الدولية للسيادة اللبنانية مبالغة غريبة .
تساءل ميسان لماذا تقوم إسرائيل بهذه المهمات القذرة التي لا تفيدها من أجل الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وقال في هذا السياق إن دولة إسرائيل ليست نتاج القومية اليهودية المعروفة بالصهيونية كما هو شائع ومن الخطأ اعتبارها إفراز للجرائم النازية ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، وإنما هي قبل كل شيء كيان أنغلوساكسوني أول من دعا إليه هو اللورد كرومويل واستمرت الفكرة في الاختمار دون انقطاع رغم كون أغلبية اليهود في العالم لم يحتضنوها لقناعتهم أنها ستسبب من المتاعب أكثر مما ستحل مشاكلهم. ثم جاءت الأهداف الأمريكية السياسية والاستراتيجية خلال الحرب العالمية الأولي لتعطيها نفسا جديدا وتجد طريقها الي التنفيذ. ويضيف أن دولة إسرائيل ما زالت كما كانت منذ نشأتها دولة أنجلوساكسونية، واليهود مجرد سكان فيها فقط، ولا تتعارض أبدا مع أهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، بل يذهب تييري ميسان الي حد وصفها بـ: الذراع العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي. لكنه يتوقع الانهيار القريب لإيديولوجية الأنغلوساكسون، المعروفين بالمسيحيين الصهاينة، لأنها لم تعد تستهوي حتي العديد من اليهود والإسرائيليين أنفسهم، كما تدل علي ذلك حركات العصيان داخل الجيش الإسرائيلي ذاته والحركات اليهودية الداعية الي السلام والهجرة المعاكسة الي خارج إسرائيل.
كما ذكر أن المقاومة التي قادها حزب الله ضد الاعتداء الإسرائيلي في الصيف الماضي كانت تتلقي معلومات من أشخاص داخل هيئة الأركان الإسرائيلية ذاتها، وهذا أمر جديد غير مسبوق يدل حسب تييري ميسان علي تراجع الإيديولوجية الصهيونية أو اليهودية ـ المسيحية المتصهينة.تجدر الإشارة الي أن تييري ميسان قد أصدر كتابا جديدا منذ أسبوع ضمّنه رؤيته للأزمة اللبنانية وخلفياتها السياسية والاستراتيجية التي أدت الي تدمير هذا البلد الذي يتواصل بعناية وإتقان. كتابه صدر باللغتين العربية والفرنسية عن دار دومي لون (Demi Lune) الفرنسية للنشر وكان موضوع الندوة الصحافية التي أجراها ميسان الخميس في العاصمة الفرنسية باريس. عنوان هذا العمل الجديد (L'effroyable imposture et le pentagate)، (الكذبة الرهيبة وفضيحة البنتاغيت) وقد قدّم له الجنرال ليونيد إيفاشوف قائد هيئة أركان القوات المسلحة الروسية عند وقوع هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001 في نيويورك وواشنطن.